ب ـ المقدمة الثانية : إن الأحكام التكليفية لا تتعلق إلّا بالحصة الاختيارية من المتعلّق ، إذ يستحيل البعث والتحريك نحو غير الاختياري ، فالحصة غير الاختيارية لا تقع مصداقا للواجب ، وإن كان محصلا للفرض ، والعنوان الواجب لا يقع اختياريا إلّا إذا صدر عن قصد وإرادة واختيار له ، فإذا كان التوصل بعنوانه هو الواجب الغيري ، فلا يقع مصداقا للواجب ما لم يصدر عن قصد.
وقد اعترض السيد الخوئي «قده» (١) على المقدمة الأولى ، رغم موافقته على كبراها ، من رجوع الحيثيّات التعليلية في الأحكام العقليّة إلى حيثيات تقييدية دائما حتى في أحكام العقل النظري.
اعترض على هذا بخروج المقام عن ذلك ، لأنّ وجوب المقدمة المبحوث عنه ، هو الوجوب الشرعي لا العقلي ، والعقل مجرد كاشف عنه لكنّ هذا الاعتراض يلزم منه التهافت ، إذ حتى لو سلّمنا بأن الحيثيات التعليلية في الأحكام العقلية مطلقا ، العملية منها والنظرية ، تكون تقييدية ، فإنه مع هذا لا وجه لخروج المقام عن تلك القاعدة ، إذ ليس دور العقل في الأحكام العقلية سوى الكشف والإحراز ، وخصوصا في أحكام العقل النظري ، فالتسليم بتلك المقدمة يناقض الإعراض عليها.
والتحقيق في الجواب على هذا الكلام أن يقال :
أولا : إنّ رجوع الحيثيّات التعليليّة في الأحكام العقلية إلى حيثيّات تقييدية ما هو كلام موروث ، يراد به الأحكام العقلية العمليّة لا النظرية ، والتي منها وجوب المقدمة شرعا.
وتوضيح ذلك ، هو : إنّ الأحكام العقلية العمليّة إدراكات لأمور واقعية نفس أمرية ، هي «الحسن والقبح» في الأفعال ، وكونها ممّا ينبغي أو لا ينبغي ،
__________________
(١) محاضرات فياض : ج ٢ ص ٤٠٧.