ومن الواضح أن وجوب المقدمة شرعا ، على القول به ، هو من مدركات العقل النظري دون العملي ، فلا تشمل القاعدة الموروثة في حيثيّات أحكام العقل.
والخلاصة هي : إنّ هذه القاعدة ، كلام موروث ، يقصد منه الأحكام العقلية العملية لا النظرية ، فعند ما يقال : «الضرب للتأديب حسن» ، يكون «التأديب» «هو الحسن» لا أنّ «التأديب» يجعل «الضرب» بعنوانه «حسنا».
وذلك لأن هذه الأحكام العملية أمور واقعية نفس أمرية ، يدرك العقل موضوعاتها مباشرة وبالذات.
وهذا بخلاف المجعولات الشرعية ، فإنها ربّما تؤخذ في لسان جعلها حيثيّات هي وسائط لثبوت الحكم على موضوع ، وكذلك مدركات العقل النظري حيث قد تكون حيثيّة «ما» سببا لإدراك العقل حكما على موضوع ليست تلك الحيثيّة مأخوذة فيه.
وثانيا : لو سلّمنا بذلك ، فإنّ ما أفيد من لابدّية تعلّق الوجوب بالحصة الاختيارية بالخصوص من المقدمة ، غير صحيح ، إذ تقدّم في أبحاث التعبّدي والتوصلي ، أنه لا يشترط تعلّق الوجوب بالحصة الاختيارية من الفعل خاصة ، بل يمكن تعلّقه بالجامع بينها وبين غير الاختيارية.
ثمّ إنّه لو سلّم لزوم الاختصاص ، وأنّ الباعثية لا تكون إلّا إلى الحصة الاختيارية من الفعل ، فذلك إنّما يتم في الواجبات النفسية التي تجعل بملاك الداعوية ، لا الواجبات الغيرية ، التي لا تجعل ـ على القول بها ـ من أجل الداعوية ، وإنّما هي واجبات قهرية تبعيّة.
وثالثا : لو أنه سلّم بذلك ، وافترضنا أن الواجب الغيري كالنفسي ، مع ذلك نقول :
إنه يكفي في اختيارية الفعل ، ـ بنحو يكون هو الشرط في التكليف