وأمّا المنافاة الثانية : التي تكون بملاك التعارض بين الحرمة والوجوب الغيري للمقدمة ، على القول به.
فإن بنينا على أنّ الوجوب الغيري يختص بالموصلة ، فلا إشكال في أن الوجوب الغيري يطرد الحرمة عن متعلّقه الذي هو الحصة الموصلة ، دون أن يكون هناك تعارض بين الجعلين : بين حرمة الحصة الموصلة من المقدمة ووجوبها ، وإنّما يكون من التزاحم بين المجعولين.
وأمّا إذا بنينا على أنّ الوجوب الغيري يتعلّق بالجامع بين الموصلة وغيرها ، فهذه الدعوى ، تارة تكون ، بدعوى أنّ المقتضي قائم بالجامع ، ولا مقتض للتخصيص بالموصلة ، كما هو في البرهان السادس ، وتارة أخرى ، تكون بدعوى أن اختصاص الوجوب بالموصل فقط محال بنفسه ، للدور والتسلسل.
فإن ادّعي الأول : فلا بدّ من الالتزام بأنّ الوجوب يتعلق بخصوص الموصلة ، ويبقى غير الموصل على الحرمة ، كما هو الحال فيما لو اتصف بعض أفراد الموصل بالحرمة ، فإن الوجوب يرتفع عنه.
وإن ادّعي الثاني : أي استحالة تخصيص الوجوب الغيري بالموصلة ، حينئذ يقع التعارض بين دليل حرمة هذه المقدمة ، ولو الحصة غير الموصلة منه ، وبين دليل الوجوب الغيري ، لأنّ الوجوب الغيري إن تعلّق بالمطلق ، فهو ينافي حرمة غير الموصلة ، وإن تعلّق بالموصلة فقط ، فقد فرض أن ذلك محال عند القائل. إذن فتحصل المعارضة بين حرمة المقدمة ، ووجوب ذي المقدمة ، باعتبار أنّ وجوب ذي المقدمة لا يلائم حرمة المقدمة ، ولو بحصتها غير الموصلة لاستحالة اجتماعهما ، فلو فرض تقديم دليل الوجوب الغيري على دليل الحرمة ، فلا بدّ من الالتزام بسقوط الحرمة رأسا عن مطلق المقدمة حتى غير الموصلة ، بحيث أن المكلّف لو إجتاز الأرض ، ولم ينقذ ، يعاقب بعقاب واحد.