هو متقدم ، ولا هو متأخر عن الآخر ، بمعنى أنّه لا طوليّة بينهما ، لأنه ليس أحدهما علة ولا معلولا للآخر ، إذن فهما في مرتبة واحدة بهذا المعنى. إن كان هذا هو المراد فهذا ليس من اجتماع الضدين في شيء ، لا في وعاء الزمان ، ولا في وعاء الرتبة الواحدة ، بالمعنى المتقدم المستحيل بحكم العقل.
وبهذا يكون هذا البرهان غير تام ، ولذلك لم نعتبره ثانيا بحسب الترتيب ، لأننا إنما نستعرض البراهين الصحيحة ، ونعلّق هذا البرهان الثاني المتقدم على ضوئها سلبا وإيجابا. ويكون هذا البرهان الذي سوف نذكره الآن هو الثاني لأنه يأتي ضمن البراهين الصحيحة.
٢ ـ البرهان الثاني : في إثبات إبطال مقدميّة أحد الضدين للآخر وهو صحيح.
وحاصله : هو إنّ عدم أحد الضدين الذي ادّعي أنه مقدمة للضد الآخر ، هل هو مقدمة ودخيل في علة الضد الآخر ، باعتبار مؤثّرية العدم في الوجود؟ بحيث يكون عدم الضد هذا ، جزءا من العلة؟ أو إنّه دخيل باعتبار مؤثريّة الوجود في نحو التمانع؟ بأن يكون عدم الضد من باب عدم المانع ، كما لو كان عدم السواد دخيلا في وجود البياض ، بمعنى أنه من قبيل عدم المانع لوجود البياض ، كما يفرض هكذا تارة أخرى ، ويفرض تارة ثالثة أن وجود السواد مؤثر ومانع من البياض ، ولكن في باب الموانع يكون تأثيرا عكسيا ، فيكون عدم السواد مقدمة ومؤثرا في وجود البياض ، فيكون دخل العدم من باب أنّه لو وجد معدومه لكان مانعا ومدافعا لضده.
وحينئذ يقال ، بأنّه : إن كان المدّعى هو الأول ، فهو باطل ، بداهة لاستحالة تأثير المعدوم في الموجود بمعنى اقتضائه له ، كيف! وإلّا لاستغنى الأمر الوجودي عن العلة ، إذن فلا بدّ أن يكون التأثير بالنحو الثاني ، أي : بالمانعيّة والمدافعة بين الوجودين ، ولكن هنا نسأل : بأنّ وجود السواد المانع وعدمه الذي هو مقدمة ، متى يكون وجوده هذا مانعا؟ هل يكون مانعا عند ما