يوجد؟ أو أنه يكون مانعا عند ما لا يكون موجودا؟.
وبعبارة أخرى نسأل : هل إنّ تأثير الضد في وجود الضد الآخر بنحو المانعة والمدافعة ، هل يكون قبل وجوده ، أو بعده؟.
أمّا كونه مانعا عند ما لا يكون موجودا ، فلا مجال له ، إذ قد فرغنا عنه ، لاستحالة استغناء الموجود عن علة لوجوده ، واستحالة تأثير ومانعيّة المعدوم ، إذن فيبقى الفرض الأول ، وهو كون الضد مانعا ومؤثرا عند وجوده ، وعند ما نفرضه موجودا ، إذن فقد فرضنا تبعا لوجوده ، وجود تمام علته ، ومن أجزاء علته عدم وجود ضدّه ، أي : عدم وجود البياض قبل وجود السواد ، وبعد الفراغ عن عدم البياض قبل السواد ، كيف يكون السواد مانعا عن البياض (١)؟
وإن شئت قلت : إنّ مانعيّة الضد بعد وجوده ، متوقفة على أن يكون الضد الآخر معدوما ، حسب المدّعى ، بتوقف الضد على عدم الآخر من كلا الطرفين ، ممّا يعني أن الضد الأول المانع ، موقوف وجوده على عدم الضد الآخر ، الممنوع ، ومعه يستحيل أن يكون مانعا عنه ، فإن ما يتوقف وجوده على عدم شيء آخر يستحيل أن يكون مانعا عن وجوده.
وقد يبرهن على هذا فيقال : بأن المانع إنما يمنع عمّا يكون ممكنا ، لا ما يكون ممتنعا ولو بالغير ، وهنا في المقام في رتبة وجود المانع ، يكون الضد الآخر ممتنعا بالغير في رتبة سابقة ، لأنّ التوقف من الطرفين ، فلا بدّ من عدم الضد الممنوع ولو بعد علته ، حتى يتحقق الضد الموجود ، ومعه لا يعقل أن يكون مانعا عنه.
وقد يبرهن عليه باستلزام التهافت في الرتبة ، فيقال : بأنّ المانع متقدم رتبة على عدم الممنوع ، فلو كان متوقفا على عدم الممنوع ، فمعنى ذلك أنه متأخر عنه ، وهو تهافت.
__________________
(١) فكأنه من قبيل منع الممنوع ، أو منع المعدوم.