والخلاصة إنّ هذا البرهان برهان مستقل ، وهو غير برهان الدور في «الكفاية».
٣ ـ البرهان الثالث : على إبطال مقدمية أحد الضدين للآخر ، وهذا البرهان كأنه تطوير للأمر الأول من البرهان الأول ، حيث أثبتنا هناك مانعية مقتضي أحد الضدين عن الضد الآخر ، فيما إذا كان المقتضي مساويا ، وبطريق أولى إذا كان غالبا ، أو الآن في هذا البرهان الثالث ، نريد أن نبرهن على أنّ المقتضي يكون مانعا عن تأثير مقتضيه ، سواء أكان غالبا أو مساويا أو مغلوبا ، فالمقتضي الذي يقتضي السواد مثلا ، سواء أكان غالبا أو مساويا أو مغلوبا ، يتصور فيه ثلاث احتمالات :
الاحتمال الأول : اقتضاؤه للسواد على وجه الإطلاق ، سواء أكان هناك جسم أبيض أو لا ، من قبيل اقتضاء السحاب لنزول المطر ، سواء أكان هناك برد أو حر ، فإن السحاب يقتضي نزول المطر مطلقا ، وإن اقتضاءه غير مشروط بتقدير دون تقدير ، وفي المقام يقال ، بأن اقتضاء مقتضي السواد للسواد أيضا مطلقا ، سواء أكان هناك بياض ، أو لم يكن.
وهذا الاحتمال مستحيل ، للزومه المحال ، وذلك لأنّه يقتضي تسويد البياض إذ إنّه بحسب الفرض ، يقتضي التسويد مطلقا حتى مع البياض ، وتسويد الأبيض بما هو أبيض محال ذاتا بلا إشكال ، لأنّ اقتضاء مقتض للمحال محال في نفسه.
الاحتمال الثاني : هو أن يكون اقتضاء مقتضي أحد الضدين في نفسه مشروطا ومنوطا بعدم الضد الآخر ، كما لو كان اقتضاء مقتضي السواد للسواد ، منوطا بعدم البياض.
وهذا الاحتمال هو ساقط أيضا ، لأنّ هذا الاشتراط وإن اتّفق أحيانا لنكتة خاصة ، كما لو قال لآخر : إن لم تبيّض هذه الورقة فسوف أسوّدها ، فالتسويد مشروط بعدم وقوع التبييض من قبل الغير ، فإنّ مثل هذا الأمر قد يتفق خارجا