قوة المقتضي وضعفه في سنخ الاقتضاء ، وإنما الاختلاف بينهما في درجة الاقتضاء.
وبهذا يتبرهن تعيّن الاحتمال الثالث ، وهو اقتضاء مقتضي أحد الضدين لإعدام الضد الآخر بنفس اقتضائه لمقتضيه بنحو المغالبة والممانعة ، وهذا هو معنى توقف أحد الضدين على عدم المقتضي المساوي ، أو الغالب لمقتضي الضد الآخر ، بعد ضم هذا الوجدان إليه.
وبهذا يتضح أيضا كون هذا الأمر تعويضا عن الأمر الأول في البرهان الأول ، حيث يثبت به النتيجة نفسها التي استدل عليها فيه ، وهي مانعيّة مقتضي أحد الضدين عن الضد الآخر. فإذا ضممنا إليه الأمر الثاني في ذلك البرهان ، فإنه يثبت بذلك عدم مانعية نفس الضد لاقتضاء مقتضي الضد الآخر ، كما أنّه بذلك ، ينغلق البحث في مشروطية هذا الاقتضاء بعدم البياض وإطلاقيّته من هذه الناحية.
٤ ـ البرهان الرابع : على إبطال مقدميّة عدم أحد الضدين للآخر ، وهو تعويض عن الأمر الثاني في البرهان الثاني ، حيث قلنا في الأمر الثاني هناك : بأنّ العدم بما هو عدم ، غير مؤثّر في الوجود ، وإنّما الوجود يؤثر في الوجود بنحو التواقع والتعاكس.
ونحن وإن كنّا قد أبطلناه هناك ببيان ، لكن الآن هنا ، سنبطله ببيان آخر قائم على أصل موضوعي ، حاصله ، هو إنّه لا إشكال في استحالة وجود المعلول دون علة ، إمّا لأنه بلا مقتض أصلا ، وإمّا لكونه بلا شرط ، وإمّا لوجود مقتض مزاحم لوجوده ، وهذا ممّا نجزم به.
ولكن يا ترى هل إنّ استحالة اجتماع الضدين المجزوم بها إلى استحالة وجود المعلول بلا علة بحسب وجداننا العقلي؟ فكما لا يعقل اجتماع الحرارة والبرودة ، على أساس أنّ عدم البرودة هو أحد أجزاء علة الحرارة ، فكذلك الحكم باستحالة اجتماع الضدين لاستحالة وجود شيء بلا علته؟ ، أو إنّ