استحالة اجتماع الضدين ليست مستنبطة من استحالة وجود المعلول بلا علة ، فإنه حتى من يتشكك معنا في إمكان وجود الحرارة بلا منشأ ، مع هذا فإنه لا يتقبّل فكرة اجتماع الحرارة والبرودة في موضوع واحد ، إذ إنّ استحالة اجتماعهما أشدّ وضوحا من استحالة وجود الحادث بلا سبب ، ولذا وجد في الناس من ينكر ضرورة العلّة ، بينما لم يوجد من يقول باجتماع الضدين ، إذ إنّ امتناع اجتماعهما ذاتي لا بالغير ، فإن ماهيّة السواد ، تأبى عن وجودها الجمعي مع هذه الحصة الأخرى من الوجود ، وهي البياض ، فهذا الإباء عن الوجود الجمعي ، إنّما هو لإباء ذاتي بالماهية ، لا لأجل امتناع بالغير بسبب عدم وجود العلة ، وهذا هو معنى كون استحالة اجتماع الضدين ذاتية عند كل الناس.
وبعد تقرير هذا الأصل الموضوعي يقال : إذا فرض أنّ السواد مانع عن البياض ، فلا بدّ أن يفرغ عن وجود السواد أولا ، لأنّ المانعية هذه ، فرع وجود المانع ، إذ لا يعقل مانعيّة شيء معدوم.
وحينئذ يسأل : بأنّ هذه المانعيّة للسواد عن البياض ، هل تكون في نفس ظرف وجود السواد ، أو إنها تمنع في ظرف عدم السواد؟
فإن فرض مانعيّة السواد للبياض في فرض وجود السواد ، فهو خلف كون البياض ممتنعا بالذات ، كما تقرّر في الأصل الموضوعي ، فإنّ الممتنع بالذات لا معنى أن يستند عدمه إلى مانع من الخارج ، وإنّما عدمه مقتضى ذاته ، فعدمه من ذاتيات ماهيته ، كما هو معنى الامتناع الذاتي.
ومن الواضح أن العلة بأجزائها ، إنّما تعقّل في الممكن لا في الممتنع ذاتا ومن هنا قيل : بأنّ مقتضي المحال ذاتا ، محال.
وإن فرض أن السواد يمنع عن وجود البياض في ظرف عدم السواد ، فإنّ هذا محال أيضا ، لأنّ الشيء لا يمنع شيئا آخر حالة كون نفسه معدوما ، إذ مانعيّة المانع إنّما تعقل في فرض وجوده ، لا في فرض عدمه ، إذن فمانعيّة السواد عن البياض محال على كل حال.