أوهمته بعض عبارات الشيخ الرئيس (١) ، فإنّه لا موجب للالتزام به.
وتوضيح ذلك هو أن يقال : إنّ هذه المعيّة ، تارة نفرضها معيّة زمانية ، وأخرى نفرضها معيّة رتبية.
فإنّ فرضنا الأولى ، وهي كون «ما مع المتقدم متقدّم بالزمان» فهو كذلك صحيح ، لكن لا بملاك أنّه مع المتقدم ، بل بملاك أنّ نفسه متقدم ، على حدّ تقدم ذلك الآخر ، فمثلا ، زيد الميّت قبل ألف سنة متقدم علينا زمانا ، وأخوه عمرو الذي كان معه ، هو متقدم علينا أيضا ، لكن تقدم أخيه علينا ليس باعتبار أنه مع أخيه زيد ، بل تقدم زيد وعمرو علينا كلاهما بملاك واحد ، بل معيّته متحققة بتحقق الملاك الزماني نفسه.
وإن فرضنا الثانية ، وهي كون «المقارن للمتقدم متقدم رتبة» ، فإنّ لهذه العبارة معنيان :
أ ـ المعنى الأول : هو أنّ «ما كان مع المقارن المتقدم ، متقدم رتبة» ، يعني أنّه ليس هناك موجب لتقدمه عليه ، كما أنه ليس هناك موجب لتأخره عنه ، فلا هو علة له ، ولا هو معلول له.
إذن فكونه مقارنا له رتبة ، تعبير يراد به أمر سلبي فقط ، وهو نفي كونه علة أو جزء علة ، أو كونه معلولا ، فالبياض وعدمه في رتبة واحدة ، إذ ليس أحدهما علة للآخر ، إذن فلا موجب لتقدم أحدهما على الآخر ، ولا لتأخره عنه ، ولو ضمنا ، ولا أحدهما معلول للآخر ولو ضمنا ، إذن فلا موجب للتقدم والتأخر ، لأنّ ملاك التقدم والتأخر إنّما هو العليّة ، كما أنّه لا يلزم من كون المتقدم علة للمتأخر أن يكون المقارن مع المتقدم علة للمتأخر أيضا.
لكن عدم البياض يوجد موجبا لتقدمه على السواد ، لأنّه جزء العلة عند القائل بالمقدميّة ، فلا يلزم من ذلك أن يكون ما لا يكون هناك موجبا لتقدمه
__________________
(١) النجاة : ابن سينا ـ ص ٧٢.