ب ـ الأمر الثاني : هو ملاك الوجوب وروحه ، وهذا ليس مدلولا عليه باللفظ ، لأنّ هيئة «صلّ» تدلّ على النسبة الطلبية ، أو الإرسالية ، بينما الملاك يستفاد من الظهور السياقي ، لأنّ المولى بصدد بيان الحكم نصا وروحا ، إذ الحكم بلا روح لا أثر له ، فالظهور الأعم من السياقي واللفظي ، يقتضي أن يكون المولى بصدد بيان أمرين هما : الملاك والوجوب ، وكلاهما مصبهما المادة ، إذن فكلام المولى ينحل إلى قضيتين موضوعهما الصلاة ، ومحمول أحدهما الملاك ، ومحمول الأخرى الوجوب.
وحينئذ ، مقتضى إطلاق المادة في صلّ» هو : أنّ الصلاة وقعت موضوعا لكلا المحمولين على الإطلاق ، سواء أكان هناك عجز أو قدرة ، وبراهين اشتراط القدرة سواء أكانت بحكم العقل بقبح تكليف العاجز ، أو استدعاء طبع التكليف المقتضي للباعثية لأن يكون مقدورا ، فإن القرينة على اشتراط القدرة ، إنّما تكون قرينة على اشتراط القدرة ، وأخذها قيدا في الصلاة بلحاظ المحمول الثاني الذي هو الوجوب ، لا الملاك ، إذ لا قبح في التكليف بالملاك على العاجز لو كان هناك تكليف بالملاك ، إذ إنّ الملاك لا يقتضي بطبعه الاختصاص بالقادر ، فنتمسك بإطلاق المادة بلحاظ الملاك ، لإثبات أن الصلاة موضوع للملاك على الإطلاق.
نعم لو أنّ المولى بنفسه أخذ قيد القدرة فقال : «صلّ» عند القدرة ، حينئذ لا إشكال في انهدام الإطلاق بلحاظ كلا المحمولين.
وفرق هذا الوجه عن الوجه السابق هو : إنّ دلالة الأمر في السابق على الملاك ، كانت بالدلالة الالتزاميّة ، أي : في طول الدلالة على الحكم ، وهنا بالدلالة المطابقيّة أي : في عرض الدلالة على الحكم بحيث أنه كان لكلام المولى مفادان عرضيّان : أحدهما مدلول عليه باللفظ وهو الحكم ، والآخر بالسياق ، وهو الملاك ، والقرينة على التقييد باشتراط القدرة ، إنّما هو بلحاظ المحمول الثاني ، فيبقى المحمول الأوّل على حاله ، والمادة لها إطلاق بلحاظهما ، والدليل هدم الإطلاق بلحاظ الحكم.