وحينئذ نسأل إنّكم حينما قلتم في الإرادة التكوينية ، إنّ الشوق الكامل لا يتخلّف عن متعلّقه ، كأنكم اصطلحتم واتفقتم على جعل لفظ الإرادة اسما لخصوص الشوق الكامل المتعلّق بالفعل المباشري الحقيقي للعضلات ، بينما الأشواق الأخرى المتعلقة بالمسببات التوليدية ، أو بالعنايات الأخرى التي منها التقيّد بالوقت ، لا تسمّونها إرادة ، ورغم هذا تقولون : إنّ الشوق الكامل لا ينفك عن متعلقه ببرهانكم المتقدم ، حينئذ ، بقي أن نعرف موقفكم من تلك الأشواق الأخرى المتعلقة بالمسبّبات التوليدية ، أو بالعنايات الأخرى التي منها التقيّد ، فهل أيضا تقولون : إنّه لا ينفك فيها متعلقها ، أو إنّكم لا تقولون ذلك؟. فإن قلتم أيضا : إنّه لا ينفك فيها متعلّقها عنها ، حينئذ ، يكون برهانكم غير ذي جدوى ، إذ من الواضح أن تلك المسببات التوليدية ليست فعلا نفسانيا كالتحريك العضلي حتى تدّعوا كما سلف منكم ، بأنه يحتاج إلى مقتض نفساني أيضا ، بل المسبّب التوليدي ، هو فعل طبيعي في عالم الكون ، يخضع إلى عوامل طبيعية ، منها مرور الزمان إلى أن تحترق الورقة ، وحينئذ ، لا يأتي فيه برهانكم المتقدم ، وإن كنتم تسلّمون وتقولون : إنّ هذه الأشواق الأخرى ينفك عنها متعلقها ، ولذا لا نسميها إرادة. حينئذ نقول : إنّه في باب الإرادة التشريعية ، الأمر أيضا كذلك ، فإنه قد يتعلّق الشوق التشريعي بمسبّبات من هذا القبيل.
إذن فكما أن الشوق التكويني المتعلّق باحتراق الورقة ، تسلّمون بأنه ينفك المتعلّق عنه ، كذلك يجب أن تسلموا بأن الأشواق التشريعية المتعلقة بالمسبّبات والعناوين التوليدية ، ينفك بعضها عن بعض ، وبهذا لا يتحصل من هذا البرهان شيء.
٢ ـ التقريب الثاني : من البرهان الثاني على استحالة الواجب المعلّق (١) ، وحاصل هذا التقريب هو : إنّ الإرادة التشريعية هي عبارة عن شوق المولى إلى
__________________
(١) نهاية الدراية : ج ١ ص ٣٠٤ ـ ٣٠٥ ـ ٣٠٦.