من لوازم الإرادة التشريعية ، إيجاد الباعث الفعلي ، للزم أن يكون هناك انبعاث فعلي أيضا ، مع أنه من الواضح ، أنه ليس من لوازم الإرادة التشريعية الانبعاث الفعلي ، كما هو الحال في حق العصاة الذين لا ينبعثون بالفعل ، رغم بعث المولى لهم نحو الفعل بإرادته التشريعية.
إذن فالمقصود بإيجاد الباعث من المولى ، هو ما يمكن أن يكون باعثا للمكلّف ، وهذا ما يمكن أن يكون لازما للإرادة التشريعية ، وهذا ما يكون مساوقا للانبعاث بالإمكان ، أي : إمكان أن ينبعث العبد.
فالنتيجة : إنّ الإرادة التشريعية ، حتى تكون إرادة تشريعية ، لا بدّ وأن تستتبع إيجاد الباعث بالإمكان من قبل المولى.
وحينئذ هذه النتيجة نطبّقها على الواجب المعلّق فنقول : إنّ المولى إذا جعل الوجوب من أول الغروب ، وكان متعلّق الوجوب هو «الصوم» المقيّد «بطلوع الفجر» ، فحينئذ نقول : إنّ الوجوب لا يعقل أن يكون فعليا ، كما أن الإرادة التشريعية لا يعقل (١) وجودها من حين الغروب ، وذلك لأن الإرادة التشريعية متقومة بإيجاد الباعث بالإمكان ، بينما خطاب المولى عند الغروب لا يمكن أن يكون باعثا ، إذ لا يمكن الانبعاث حينذاك ، فلو فرض أن المكلّف كان منقادا ، وأراد أن ينبعث فعلا ، فلا يمكنه أن ينبعث ، وما دام الانبعاث مستحيلا فالباعث مستحيل مثله ، إذ قد ذكرنا أنه من خصائص الإرادة التشريعية ، هو إيجاد الباعث بالإمكان ، وما دام أنه لا يوجد الباعث بالإمكان ، فلا توجد الإرادة التشريعية (٢) ، وهذا البرهان من التقريب الثاني ، غير تام حلا ونقضا.
__________________
(١) الظاهر أن وجود الإرادة التشريعية وعدمه على هذا المبنى من حين الغروب على حد سواء ، ما دام إن الوجوب لا يعقل أن يكون فعليا ، ولا باعثا بالفعل ، وإنما بوجود الباعث بالإمكان ، ومع عدم الانبعاث ينعدم الباعث (المقرر).
(٢) نهاية الدراية : ج ١ ص ٣٠٤ ـ ٣٠٥ ـ ٣٠٦.