بالاستخلاف في الأرض ، وان كان في ذرّيته من يفسد فيها ويسفك الدّماء ، فعلّم آدم عليهالسلام اسماء جميع الأجناس أو أكثرها وقيل : اسماء النّبي محمّد والأئمّة من ولده صلى الله عليهم أجمعين وفيه أحاديث مرويّة ، ثمّ قال للملائكة : (أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) مقرّرا لهم ومنبّها على ما ذكرناه ودالا على اختصاص آدم بما لم يخصّوا به ، فلمّا أجابوه بالاعتراف والتسليم إليه علم الغيب الّذي لا يعلمونه فقال تعالى لهم : (أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ) منبّها على أنّه تعالى هو المنفرد بعلم المصالح في الدّين ، وانّ الواجب على كلّ مكلّف أن يسلّم لأمره ، ويعلم أنّه لا يختار لعباده إلّا ما هو الأصلح لهم في دينهم علموا وجه ذلك أم جهلوه ، قال : وعلى هذا الجواب يكون قوله : (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) محمولا على كونهم صادقين في العلم بوجه المصلحة في نصب الخليفة أو في ظنّهم انّهم يقومون بما يقوم به هذا الخليفة ويكلون له فلو لا أنّ الأمر على ما ذكرناه وأن القول لا يقتضي التكليف لم يكن لقوله تعالى بعد اعترافهم وإقرارهم : (أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ) معنى لأنّ التكليف الأوّل لا يتغيّر عن حاله بان يخبرهم آدم عليهالسلام بالأسماء ولا يكون قوله : (إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) إلى آخر الآية إلّا مطابقا لما ذكرناه من المعنى دون معنى التكليف فكأنّه قال إذا كنتم لا تعلمون هذه الأسماء فأنتم عن علم الغيب أعجز وبأن تسلّموا الأمر لمن يعلمه ويدبّر أمركم بحسبه اولى (١).
__________________
(١) الأمالى للسيّد المرتضى : ج ٢ ص ٦٩ ـ ٧٠.