منها : قوله تعالى : (وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) ، القصّة بتمامها الدّالة عليه بوجوه من الدّلالة حيث انّه سبحانه جعل آدم خليفة له ، والمراد منه خلافة الولاية في التبليغ او في التكوين ، او في وجوب الطاعة والانقياد كما يومي إليه قصّة داود وهارون وغيرهما ، ومن البيّن أنّ أعظم النّاس منصبا عند الملك من كان قائما مقامه ، في كلّ من التبليغ والولاية والتصرف ووجوب الطّاعة حتّى سمّاه خليفة له ، ثمّ انّه تعالى نبّه على فضله وشرفه بتعليمه الأسماء وتخصيصه بعلمها دونهم ، وجعله معلّما للملائكة فكان عنده من العلوم الفاضلة ما لم يكن عندهم وقد قال الله سبحانه : (وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ) (١) ، و (هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) (٢) ، ثمّ انّه تعالى أمرهم بالسجود لآدم تكريما وتعظيما له ، ومن البيّن انّ السجود نهاية التّواضع وتكليف الأشرف الأفضل بنهاية التّواضع للأدون مستقبح عقلا.
فان قلت : إنّ قضيّة خلافته كونه أشرف من كلّ من في الأرض ، وأين هذا من الّدلالة على فضله على جميع الملائكة حتّى من في السموات؟
وأمّا علمه بالأسماء فهو وان كان عالما بها وهم لم يعلموها لكن لعلّهم كانوا عالمين بعلوم اخرى لم يكن آدم عالما بها.
وامّا الأمر بالسجود فلعلّ آدم قبلة لهم في عبادتهم له سبحانه على أنّ الحكمة قد تقتضي تواضع الأشرف للشريف لبعض المصالح الّتي من جملتها
__________________
(١) المجادلة : ١١.
(٢) الزمر : ٩.