بقي الكلام في انّ المستفاد من الوجه المتقدّم بل وبعض الاخبار المتقدّمة خصوصا المروي عن (١) العسكري عليهالسلام انّه ليس للملائكة شهوة الحيوان ، ولا ميل إلى أنواع اللّذات الدّنيوية ، ولذا استشكل بعضهم بانّه إذا كان الله تعالى قد خلقهم على هذا المنوال فما لهم من الفضل في أنفسهم حتّى يفضّلوا غيرهم من صلحاء المؤمنين ، قال في الأنوار النعمانيّة : وهذا المعنى قد أشكل على جماعة من الأصحاب حتّى أنّ شيخنا المعاصر أدام الله ايّامه يعني به المجلسي عطر الله مرقده ذهب إلى أنّ الملائكة لهم نوع من الميل إلى اللّذات الحسيّة ، لكنّهم يجاهدون أنفسهم ويمنعونها عن الإرادات البشريّة ، حتّى يكون لهم جزيل من الثواب ، ويستحقّوا محامد الثّناء والتّفضيل قال رحمهالله : والجواب التحقيقي عند هذا القاصر غير هذا ، وحاصله : أنّ الله سبحانه قد أقدر الملائكة على أنواع العبادات كما أقدر البشر عليها ، وإن كان قوّة الملائكة على العبادات أشدّ وأكثر ، والبشر مع قدرتهم على اكثر أنواع العبادات من الواجبات والسنن قد فتروا عنها واقبلوا على تركها ، وأمّا الملائكة فقد أقبلوا على فعلها والإتيان بما وصلت إليه قدرتهم ، ومع هذا قد صارت العبادات مستلذّة عندهم ، كاستلذاذ الاكل والشرب عندنا فهم يأتون بكلّ ما يقدرون عليه من أنواع العبادات على وجه الاستلذاذ ، ونحن إنّما نأتي ببعض ما نقدر على وجه التكليف والمشقّة والخوف من العقاب ، فهم فضّلونا بإتيانهم بأفعال يمكنهم تركها فلم يتركوها ، ومن ثمّ قد وقع من بعضهم الترك حتّى عوقب عليه ، فاحترقت أجنحته وسقط عن مقامه كما وقع للملك الّذي وقع من السماء في زمن إدريس على
__________________
(١) البحار ج ١١ ص ١٣٦ تقدّم ذكره.