أمّا الوجوه النقليّة فمنها قوله تعالى : (لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ وَلَا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ) (١) حيث إنّ ظاهر العطف في أمثال المقام التّرقي من الأدنى إلى الأعلى سيّما مع تخصيص الملائكة بالمقرّبين منهم لكونهم أفضل كما يقال أفضل كما يقال : هذا العالم لا يستنكف من خدمته الوزير ولا الملك المقتدر ، وهذا الحجر لا يقدر على حمله العشرة ولا المائة أولو القوّة إذ من البيّن انّه لا يقال : في الأوّل ولا الجندي ، ولا في الثاني ولا الواحد ، فضلا من أن يوصفا بالحاجة والضّعف او يوصف بهما الأوّلان.
والجواب انّ الكلام إنّما سيق لردّ مقالة النصارى في المسيح حيث ادّعوا فيه مع النّبوة البنوة بل الألوهيّة والتّرفع عن العبوديّة ، ثمّ استطرد الكلام في ردّ من زعم انّ الملائكة بنات الله كما قال : (وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً) (٢) وقال : (أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَناتٍ وَأَصْفاكُمْ بِالْبَنِينَ) (٣) وتقديم الأوّل لسبق الخطاب مع أهل الكتاب في أمره في الآيات المتقدّمة.
وقد يجاب أيضا بانّ الواو لمطلق الجمع ، فتدلّ على أنّ المسيح لا يستنكف والملائكة لا يستنكفون ، وامّا الترقّي والتّفضيل فغير مستفاد أصلا كما في قوله : (وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلائِدَ وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرامَ) (٤) وقوله : (ما جَعَلَ اللهُ مِنْ
__________________
(١) النساء : ١٧٢.
(٢) الزخرف : ١٩.
(٣) الزخرف : ١٦.
(٤) المائدة : ٢.