بَحِيرَةٍ وَلا سائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ) (١) ، وكذا قولك : ما أعانني على هذا الأمر زيد ولا عمرو ، وما اقترضت من زيد ولا من عمرو.
نعم ربما يستفاد التّرقي إذا علم كون المعطوف أقوى في المعنى المراد ، وأمّا إذا لم يعلم ذلك فإثباته بمجرّد العطف لا يخلو عن دور.
وبانّ النّصارى إنّما توهّموا فيه البنوة بل الألوهيّة لكونه روح الله ولد من غير أب ، ولما ظهر فيه من صفات الرّوحانيّين من إخبار بما يأكلون وما يدّخرون ، وإحياء الموتى ، وإبراء الأكمه والأبرص والأعمى ، ولا يبعد أن يكون الملائكة المقرّبون الموكّلون بتلك الشؤون أرفع في هذا المعنى وأقدر على تلك الشؤون والمعنى لا يترفع عيسى عن العبوديّة ولا من هو فوقه في هذا المعنى ، وهم الملائكة الّذين لا أب ولا أمّ ويقدرون على ما لا يقدر عليه عيسى ، واين هذا من سائر الكمالات العلميّة والعمليّة الموجبة لمزيد القرب وكثرة الثواب.
وبانّه يجوز أن يكون الخطاب متوجّها إلى قوم اعتقدوا أنّ الملائكة أفضل من الأنبياء فاخرج الكلام على حسب اعتقادهم ، كما يقول أحد منّا : لن يستنكف أبي أن يفعل كذا ولا أبوك ، وان كان القائل يعتقد أنّ أباه أفضل ، وإنّما أخرج الكلام على حسب إعتقاد المخاطب وهو ضعيف.
وبانّه مع تقارب المراتب وتداني الدّرجات يحسن أن يؤخّر ذكر الأفضل الّذي ليس بينه وبين غيره فضل تفاوت كما يقال : لن يستنكف من خدمتي هذا الخادم ولا هذا الخادم ، ولا ذلك وان كان بينهم ضرب من التّفاضل من بعض
__________________
(١) المائدة : ١٠٣.