وبانّ الروحانيّات لها كمالات فعليّة حاضرة ولذا قال مولانا أمير المؤمنين عليهالسلام وقد سئل عن الملأ الأعلى صور عارية عن المواد خالية عن القوّة والاستعداد تجلّى لها ربّها فأشرقت ، وطالعها فتلألأت ، وألقى في هويّتها مثاله فأظهر عنها أفعاله وخلق الإنسان ذا نفس ناطقة ، إن زكاها بالعلم والعمل فقد شابهت جواهر أوائل عللها ، وإذا اعتدل مزاجها وفارقت الاضداد فقد شارك بها السّبع الشداد (١).
وأمّا البشر فكمالاتهم واستعداداتهم بالقوّة لا بالفعل ، ولا يخفى أنّ ما بالفعل التّام أشرف ممّا بالقوّة مع أنّ في الخبر وجوها أخر من الدّلالة أيضا كالتّجرد وقبول التجلّيات الاوليّة وتوسطها بالاشراق على ما دونها والمظهريّة الكلّيّة وكون النفوس الانسانيّة بعد التزكية التامّة مشابهة لها ، مع دلالة التّشبيه على قوّة المشبّه به وكون تلك الجواهر هي العلل الاوليّة لها وغير ذلك ممّا يستفاد منه.
وبانّ الروحانيّات أشرف من الجسمانيّات في العلم والعمل فتكون أشرف مطلقا امّا شرفهم في العلم فلإحاطتها على المغيّبات وعلى الأمور المستقبلة والعلوم الكليّة والكمالات الفعليّة ، وامّا في العمل فلانّهم مواظبون على العبوديّة المحضة لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون ، يسبّحون الليل والنهار لا يفترون ، لا يلحقهم نوم العيون ولا يليهم سهو العقول ، طعامهم التّسبيح ، وشرابهم التقديس ، متجرّدون عن العلائق البدنيّة غير محجوبين بشيء من القوى الحيوانيّة ، وامّا الثّاني فواضح ضرورة رجوع اسباب الشرف والفضل إلى أحد الأمرين.
وبانّ الروحانيات نورانيّات علوية لطيفة فعالة منها العقول الكلّية والنفوس
__________________
(١) بحار الأنوار : ج ٤٠ ص ١٦٥.