عليه بالفاء قوله : (فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ) (١) ومن البيّن انّه لا يصحّ تعليل ترك السجود باختفائه عن العيون ولا بكونه خازنا عن الجنة ولا تفريع التمرّد والعصيان على شيء منهما ، ولفظ الجنّ وإن جاز إطلاقه على الملك بحسب اللّغة على ما قيل ، إلّا انّه صار بحسب العرف مختصّا بالجنس المقابل للانس والملك ، فلا يحمل على المعنى اللّغوي الّذي هو مجاز عرفي إلّا لدليل ، ولذا قوبل به في قوله (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ أَهؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كانُوا يَعْبُدُونَ قالُوا سُبْحانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ) (٢).
نعم روي في «تفسير الفرات» عن محمّد بن علي عن آبائه عليهمالسلام قال : هبط جبرئيل عليهالسلام على النّبي صلىاللهعليهوآله وهو في منزل امّ سلمة ، فقال يا محمّد انّ ملأ من ملائكة السّماء الرابعة يجادلون في شيء ، حتّى كثر بينهم الجدال فيهم ، وهم من الجنّ من قوم إبليس الّذين قال الله في كتابه : (إِلَّا إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ) (٣) فأوحى الله تعالى إلى الملائكة قد كثر جدالكم فتراضوا بحكم من الآدميّين يحكم بينكم ، قالوا : قد تراضينا بحكم من أمّة محمّد صلىاللهعليهوآله ، فأوحى الله إليهم بمن ترضون من أمّة محمّد صلىاللهعليهوآله؟ قالوا : رضينا بعليّ بن أبي طالب عليهالسلام فأهبط الله ملكا من ملائكة السّماء الدنيا ببساط وأريكتين فهبط إلى النّبي صلىاللهعليهوآله فأخبره بالّذي جاء فيه ، فدعا النّبي صلىاللهعليهوآله بعليّ بن أبي طالب عليهالسلام وأقعده على البساط ووسّده بالأريكتين ، ثمّ تفل في فيه ، ثمّ قال يا علي ثبّت الله قلبك ونوّر حجّتك بين عينيك ، ثمّ عرج به
__________________
(١) الكهف : ٥٠.
(٢) سبأ : ٤١.
(٣) الكهف : ٥٠.