لا ريب في حرمته سواء كان استكباره على آدم أو على الله سبحانه في امتثال أوامره الواجبة أو المندوبة ، فإنّ ترك المندوب عتوّا وعلوّا واستكبارا عليه سبحانه حرام قطعا ، بل هو من أسباب الارتداد والكفر ، والّا فالذمّ والإنكار في هذه الآية وغيرها من الآيات المشتملة على هذه القصّة غير مترتّب على مجرّد ترك الامتثال الّذي لم يعلم كونه سببا للكفر ، ولو في حقّ إبليس أو جنود الملائكة المقرّبين.
ومن هنا يتّجه أن يقال إنّ هاهنا أمورا ثلاثة : إباء للسجود ، واستكبار على آدم ، وإنكار لرجحان السجود المأمور به من الله تعالى ، بل دعوى قبحه لاشتماله على تفضيل المفضول ، ولا ريب في سببيّته للكفر لكونه تسفيها للحكيم وتجهيلا للخالق العليم ، وإلى هذه الأمور الثلاثة المترتّبة أشير بقوله (أَبى وَاسْتَكْبَرَ وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ) يعني باعتراضه عليه سبحانه بقوله : (أَرَأَيْتَكَ هذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَ) (١) وقوله : (أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ) (٢).
ثمّ انّه ربّما يستدلّ بالآية ايضا على صحّة القول بالموافاة ، والمراد به أنّ الّذي علم الله من حاله انّه يتوفّى على الكفر هو الكافر على الحقيقة إذ العبرة بالخواتيم ، وان كان بحكم الحال مؤمنا كما يحكى عن أبي الأشعري ، وبناه في «المجمع» على أحد الوجوه «لكان» قال : وامّا قوله : (كانَ مِنَ الْكافِرِينَ) قيل : معناه كان كافرا في الأصل ، وهذا القول يوافق مذهبنا في الموافاة ، وقيل : أراد كان في علم الله من الكافرين (٣) إلى آخر ما ذكره.
__________________
(١) الإسراء : ٦٢.
(٢) ص : ٧٦.
(٣) مجمع البيان : ج ١ ص ٨٣.