والمحكيّ عن «الملل والنحل» تفسير الموافاة بانّ الايمان هو الّذي يوافي الموت فمن أطاع الله جميع عمره ، وقد علم الله انّه يأتي بما يحبط عمله ، ولو بكبيرة لم يكن مستحقّا للوعد ، ولا مؤمنا وكذلك على العكس ، وقد يقرّر بأنّ الإيمان يوجب استحقاق الثواب الدائم ، والكفر يوجب استحقاق العقاب الدائم ، والجمع بين الاستحقاقين محال ، فإذا صدر الايمان من المكلّف ثمّ صدر عنه والعياذ بالله بعد ذلك كفر ، فإمّا أن يبقى له الاستحقاقان معا وهو محال ، او يكون الطّاري مزيلا للسابق وهو ايضا محال ، لأنّ القول بالإحباط باطل فلم يبق إلّا أن يقال إنّ هذا الفرض محال ، وشرط حصول الايمان في وقت أن لا يصدر الكفر عنه قطّ ، فإذا كان الخاتمة على الكفر علمنا أنّ الّذي صدر عنه اوّلا ما كان ايمانا ، وحيث انّه كان ختم إبليس على الكفر علمنا أنّه ما كان مؤمنا قطّ.
أقول : امّا إبليس فالظّاهر من كثير من الأخبار انّه لم يرد بعبادته التقرب إلى الله سبحانه ونيل ما لديه من المثوبة الاخرويّة والزلفى والكرامة وإنّما كان مقصوده نيل الحظوظ العاجلة والرّياسة الباطلة ، وامّا الآية فقد سمعت أنّ فيها وجوها كثيرة ، ومن البيّن انّه يضعف دلالتها على المذهب المتقدّم ، بناء على اكثر الوجوه فيها بل جميعها بعد ملاحظة أنّ ايمان إبليس كان من اوّل الأمر كلا إيمان ، حسبما سمعت على أنّ القول بالموافاة بمعنى المتقدّم مخالف لما دلّت عليه ظواهر الأدلّة من الكتاب والسنّة ، فان صحّة الإيمان في زمان غير مشروطة بعدم طروّ الكفر عليه ، ولو بعد سنين من الأزمنة بعد كونه عند تحقّقه مستجمعا للتّصديق بالجنان والعمل بالأركان والإقرار باللّسان ، فانّ هذه الثلاثة وهي أركان الايمان بحيث إذا تحقّقت