صرّح بذلك في مواضع من كتبه ، ومن هنا يسقط ما اعترضه به الشّيخ الأجل الأمجد في شرحه ، نعم ذكر بعد ذلك أنّ الّذي ثبت عندي ما فهمته من الكتاب والسنّة على سبيل القطع بحيث لا أرتاب فيه ولا مرية عندي تعتريه انّ الجنّة الآخرة خلقت قبل سائر الخلق وأنّ المؤمنين خلقوا منها وإليها يعودون وانّ جنّة الدنيا خلقت بعد خلق الأجسام خلقت من تنزل جنّة الآخرة كما خلقت الأجسام من تنزل النفوس والأرواح والعقول ، وانّ الجنّة الدّنيا هي بعينها بعد التصفية جنّة الآخرة كما أنّ أجسام النّاس الآن هي بعينها أجسام الدنيا وهي بعينها بعد تصفيتها أجسام الآخرة ، والقرآن ناطق بذلك لمن كان له قلب قال سبحانه في حقّ الجنّة : (فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئاً جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمنُ عِبادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً إِلَّا سَلاماً وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيها بُكْرَةً وَعَشِيًّا تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبادِنا مَنْ كانَ تَقِيًّا) فقوله : ولهم رزقهم فيها بكرة وعشيّا يعني جنّة الدّنيا لأنّ الآخرة ليس فيها بكرة وعشيّ وقوله : (تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبادِنا مَنْ كانَ تَقِيًّا) (١) يعني جنّة الآخرة ، وهذا صريح في أنّ جنّة الدنيا هي بعينها جنّة الآخرة وقال سبحانه ، في شأن النّار : (وَحاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذابِ النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ) (٢) فقوله : (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَعَشِيًّا) يعني نار الدّنيا لأنّ الآخرة ليس فيها غدوّ وعشيّ ، وقوله : (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ) يعني بالنّار
__________________
(١) مريم : ٦٠ ـ ٦٣.
(٢) غافر : ٤٥ ـ ٤٦.