كما يقول الرجل لصاحبه : أليس قد أعطيتك ثم رفعت منزلتك ثم بعد هذا كله فعلت كذا وكذا ، ومثله قوله : (فَكُّ رَقَبَةٍ) (١) إلى قوله : (ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا) (٢) ، أي وكان فعلى هذا يكون خلق الأرض بما فيها من الأقوات وغيرها متأخرا عن خلق السماء ، وهذا الوجه ذكره شيخنا الطبرسي وتبعه الرازي والقاضي وغيرهما.
ومنها : أنّ معنى قوله : (وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها) (٣) أي مع ما ذكر من خلقها وجعلها مهادا كما في قوله : (عُتُلٍّ بَعْدَ ذلِكَ زَنِيمٍ) (٤) أي مع ذلك ، وهو المحكي عن مجاهد والسدي (٥).
ومنها ما يرجع إلى سابقه وهو أن تكون كلمة بعد لمجرد الإذكار وتعداد النعم لا للتأخر الزماني والرتبي حيث لا يتعلق لغرض بالاخبار عن الأوقات والازمنة كما تقول : أليس قد أعطيتك كذا وكذا وبعد ذلك أحسنت إليك في كذا (٦).
وأما كون الظرف للاخبار بعد الاخبار لا المخبر عنه فلا يخلو عن تكلف.
ومنها أنّه فرق بين التسوية المطلقة للسماء المذكورة في آيتي السجدة والنازعات وبين تسويتها سبع سماوات المذكورة في المقام ، فتسويتها مطلقا متقدّمة على دحو الأرض والمقيدة متأخرة عنه ، وأمّا قوله في آية السجدة : (فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فِي يَوْمَيْنِ) (٧) فمترتبة على قوله : (ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَهِيَ
__________________
(١) البلد : ١٢.
(٢) البلد : ١٧.
(٣) النازعات : ٣٠.
(٤) القلم : ١٣.
(٥) مجمع البيان ج ٥ ص ٤٣٤.
(٦) مجمع البيان ج ١ ص ٧٢.
(٧) فصلت : ١٢.