دُخانٌ) (١) ، إلّا أنها مبينة لها ويدل عليه ما رواه في «الدر المنثور» كما تقدم.
ومنها : أن كلمتي «بعد» و «ثم» على ظاهرهما من التأخر والتراخي إلّا أنّ المراد بالخلق هو التقدير لا الإيجاد في العين وإطلاقه عليه شايع كثير ، ولذا يقيد الخلق في الاخبار مرة بالتكوين وأخرى بالتقدير ويؤيّده قوله تعالى : (الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى) (٢) وقوله : (إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) (٣) وفي الخبر عن الرضا عليهالسلام : أفعال العباد مخلوقة لله خلق تقدير لا خلق تكوين (٤).
وعلى هذا فخلق الأرض وما فيها متأخر عن خلق السماء كتأخر دحوها عنه إلّا أن تقديرها وهندستها متقدم على خلق السماء ، ويؤيده أنّه سبحانه ذكر في سورة السجدة خلق الأرض وأقواتها ثم قال : (ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ) (٥).
ومن البيّن أن المراد الإتيان من العدم إلى الوجود تعبيرا للخلقة العينية وتصويرا للقدرة الكاملة ، ولذا ذهب بعضهم إلى تقدم خلق السماء على الأرض وما فيها.
وما رواه الكيدري في شرح النهج ، قال ورد في الخبر : أنّ الله تعالى لما أراد خلق السماء والأرض خلق جوهرا أخضر ثمّ ، ذوّبه فصار ماء مضطربا ثم أخرج منه بخارا كالدخان وخلق منه السماء كما قال (ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ) (٦) ، ثم فتق تلك السماء فجعلها سبعا ثم جعل من ذلك الماء زبدا فخلق منه
__________________
(١) فصلت : ١١.
(٢) الأعلى : ٢.
(٣) آل عمران : ٥٩.
(٤) بحار الأنوار ج ٥ ص ٣٠ ح ٣٨ عن العيون.
(٥) فصلت : ١١.
(٦) فصلت : ١١.