أنّهم وجدوا القمر يكسف الكواكب وعطارد يكسف الزهرة ، وهكذا في الجميع إلّا أنّه بقي الشك في أمر الشمس فالأكثر على أنّها في وسط الأفلاك السبعة فوق الزهرة وعطارد لاقتضاء النظام الطبيعي أن يكون ما هو أبطأ حركة من الكواكب أكثر بعدا وأعظم مدارا وأن تكون الشمس واسطة في النظم والترتيب بمنزلة شمسة القلادة بين ما يبعد عنها الابعاد الاربعة وهي المقابلة وأخواتها وبين ما لا يبعد منها أقلّ البعد وهو التسديس ولما يحكى عن جماعة أنّهم رأوا الزهرة كشامة على صفحتها ، وعن آخر أنّه رأي شامتين وحسبهما الزهرة.
وهذه الوجوه كلها ضعيفة بل قيل : إنّه في وجه الشمس نقطة سوداء فوق مركزها بقليل كالمحو في وجه القمر ولعلها الشامة المرئية ، ولذا ذهب بعض القدماء إلى أنها تحتهما وبعض المتأخرين إلى أنّه فوق عطارد وتحت الزهرة بل جزم به صاحب التحفة لدليل لاح له في الابعاد والاجرام.
والثاني اختلاف المنظر لكنّه غير جار في الجميع لانتفائه في العلوية محسوسا ومحسوبا وكونه في الشمس في غاية القلة بل عن أبي الريحان وغيره أنّ اختلاف المنظر لا يحس إلّا في القمر فإنهم صرحوا بانّه في الشمس غير محسوس بالآلات الرصدية أصلا وان اقتضاه حسابهم بحسبانهم وأمّا السفليتان فلتعذر الوقوف على مواضعهما الحقيقية في الطول والعرض.
ثمّ أنّ هذا كلّه على ما حققه الحكماء السابقون وأمّا المتأخرون من حكماء الأندلس والافرنج فقد ذهبوا إلى نفي الأفلاك رأسا ، وانّ كرة الشمس ساكنة في مركز العالم وأنّ كرة الأرض من جملة السيارة التي تدور حول جرم الشمس وتكتسب منها النور والحرارة ، وانّ كلّا من الثوابت المرصودة وغيرها ممّا لا يعلم عددها أحد إلّا الله مركز لعالم كلي كالشمس في عالمها ولكلّ منها أقمار وسيارات مشتملة على عوالم كثيرة وأصناف من المخلوقات كالمواليد وغيرها.