المشكور في الحقيقة هو الله عزوجل ، ولهذا قال : (أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ) (١) فبدأ بنفسه.
وثالثها : نعمة وصلت إلينا من الله تعالى بواسطة طاعاتنا وهي أيضا من الله تعالى ، لأنه لو لا أنه سبحانه وتعالى وفقنا على الطاعات وأعاننا عليها وهدانا إليها وأزاح الاعذار لما وصلنا الى شيء منها. فظهر بهذا التقرير أنّ جميع النعم من الله تعالى.
المطلب الثاني : أنّ نعم الله تعالى على عبيده ممّا لا يمكن عدّها وحصرها على ما قال : (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لا تُحْصُوها) (٢) لأنّ المنفعة هي اللذة ، أو ما يكون وسيلة الى اللذة ، وجميع ما خلق الله تعالى كذلك ، لأنّ كلّ ما يلتذّ به وهو وسيلة الى دفع الضرر فهو كذلك ، والذي لا يكون جالبا للنفع الحاضر ولا دافعا للضرر الحاضر فهو صالح لأن يستدلّ به على الصانع الحكيم فيقع ذلك وسيلة الى معرفته وطاعته وهما وسيلتان الى اللذات الأبديّة ، فثبت أنّ جميع مخلوقاته سبحانه نعم على العبيد ، والعقول قاصرة عن عدّها.
فأن قيل : فإذا كانت النعم غير متناهية ، وما لا يتناهى لا يحصل العلم به في حق العبد فكيف أمر بتذكّرها في قوله تعالى : (اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ)؟
الجواب أنها غير متناهية بحسب الأشخاص والأنواع ، إلّا أنّها متناهية بحسب الأجناس ، وذلك يكفي في التذكّر الذي يفيد العلم بوجود الصانع الحكيم (٣).
__________________
(١) لقمان : ١٤.
(٢) النحل : ١٨.
(٣) مفاتيح الغيب : ج ٣ ص ٣٠ ـ ٣١.