ثمّ أنّ ما ذكره شيخنا التّستري دام علاه في تحقيق الفاعليّة بقسميه والمنع من أحدهما دون الآخر لعلّه ينفعك في تقريب ما مرّت الإشارة إليه من معنى وساطة النّبي وآله الطّاهرين صلّى الله عليهم أجمعين للفيوض الإلهية وبابيّتهم وشفاعتهم وانّه غير التفويض الّذي نقول بكفر معتقده حسبما مر غير مرّة.
(وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) لمّا وصف نفسه بكمال القدرة والاستيلاء قرن ذلك بكمال العلم ليعلم وقوع الفعل منه على النمط الأتقن والوجه الأحسن ، فانّ القادر العالم بوجوه الصّنع وهندسة المقادير لا يختار في فعله بالحكمة البالغة إلّا الأكمل الأجمل ، وهذا من الاستدلال بالعلّة على المعلول ، ويحتمل العكس تنبيها على أنّ من كان فعله على هذا النظم العجيب والنّسق البديع مع اتّصال الإمداد وسيلان الفيض منه عليه الموجب لبقائه بقيّوميّته المطلقة فهو متّصف بكمال العلم بجميع ما في الإمكان والأكوان ، فانّ إتقان الأفعال وإحكامها واختيار الوجه الأحسن الأتقن فيها أدلّ دليل على العلم والحكمة.
وفيه تهديد شديد على من قابل الإحسان بالكفران حيث ختم به الامتنان عليهم بخلق أنفسهم والتفضل عليهم بما فيه حياتهم في العاجل والآجل بعد توبيخهم على كفرهم في صدر الآية السابقة فكأنّه هدّدهم بأنّ عاقبتهم السّؤى لعلمه بقبح فعالهم وسوء مقالهم ونظيره قوله : (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ) (١).
__________________
(١) التوبة : ٩٤.