في الآية دلالة لطيفة على ما يرشدهم إلى صحّتها والتصديق بها ، وهو أنّه تعالى لمّا قدر أن أحياهم أوّلا وهم حيارى في فيافي العدم قدر أن يحييهم ثانيا ، فإنّ بدء الخلق ليس بأهون عليه من إعادته بل الإعادة أهون عليه.
ويحتمل الحمل على ما يشمل كفر النعمة حيث عدّد عليهم أصول النّعم ، وهي الوجود والبقاء والحياة الحقيقيّة الابديّة والرّجوع إليه سبحانه وإن فصّلنا عن الحياة الدّنيوية بالموت ،؟ ولذا؟ أعدّه أيضا من جملة النّعم مع أنّه استراحة لقوم إذ به يحصل الفراغ عن الكدورات الحسّية والعوائق البدنيّة ، وقد سمعت أنّ الآية تشمل المؤمنين أيضا بل قد يحتمل اختصاص الخطاب بهم لتقرير المنّة عليهم وتبعيد الكفر عنهم على معنى كيف يتصوّر منكم وأنتم عالمون باستناد جميع الشؤون إليه متوقعون لنيل جميع الخيرات من لديه.
والواو في (وَكُنْتُمْ أَمْواتاً) ، للحال والمعنى قد كنتم بإضمار «قد» فيه كما في قوله : (أَوْ جاؤُكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ) (١) فانّ الماضي لما كان بعيدا عن الحال توصلوا إلى تقريبه بدخول «قد» وإضماره ليصلّح لها ، أو أنّ المعنى كيف تكفرون بالله ، وقصّتكم هذه وحالكم أنّكم كنتم أمواتا فأحياكم فما أعجب كفركم مع علمكم بحالكم وزوال الغدر عنكم.
وقرء يعقوب (٢) ترجعون بفتح التّاء في جميع القرآن.
والآية تدلّ على فساد القول بالجبر ونفي الاختيار وانّ الكفر بأقسامه من قبل العباد لأنّه لو كان هو الخالق للكفر فيهم لما جاز توبيخهم عليه مع إسناد الفعل
__________________
(١) النساء : ٩٠.
(٢) هو يعقوب بن إسحاق بن زيد بن عبد الله أبو محمد الحضرمي البصري أحد القراء العشرة مات سنة (٢٠٥) ه وله (٨٨) سنة.
غاية النهاية ج ٢ ص ٣٨٦.