إليهم في قوله (كَيْفَ تَكْفُرُونَ) كما أنّه لا يجوز إسناد الفعل إليهم ولا ذمّهم في الأفعال الخلقية كالطول والقصر والملاحة والقباحة فلا يقال كيف تكونون طوالا وقصارا ، ضرورة أنّه يقبح من الحكيم أن يخلق فيهم الكفر ويقول لهم : (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ) ، ويمنعهم عن الايمان ويقول لهم : (وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا) (١) ، (فَما لَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) (٢) ، ويخلق فيهم الإعراض والإفك فيقول (فَما لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ) (٣) ، (فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ) (٤) إلى غير ذلك من التقريعات الغريبة والتوبيخات الشديدة على أنّ النّعمة التي منّ بها عليهم في الآية لا تكون نعمة لهم حقيقة بل نقمة عليهم حيث أنّه أوجب عليهم بما خلق فيهم وأجبرهم عليه العذاب الدّائم والخسار اللازم مثل من قدم إلى غيره طعاما مسموما له حلاوة ظاهرة وأجبره على أكله فانّه لا يعدّ نعمة منه ، وهذا ظاهر جدّا.
وأمّا ما يقال : من أنّ الاستدلال بهذه الوجوه ونظائرها يرجع إلى التمسك بطريقة المدح والذّم والأمر والنهي والثّواب والعقاب ، ونحن أيضا نقابلها بشبهة العلم الأزلي المتعلّق بكفرهم فلو لم يقع لا نقلب علمه جهلا وهو محال ومستلزم المحال محال ، وبأنّ القدرة على الكفر كانت صالحة للإيمان وامتنع كونها مصدرا لشيء منهما إلّا لمرجّح راجع إلى العبد وهو محال على ما قرّروه أو إلى الله تعالى وهو المطلوب.
ففيه أنّه وإن افتخر بعض المشككين من أحزاب الشياطين حتّى قال إمامهم الرّازي : «إنّ المعتزلي إذا طوّل كلامه وفرّع وجوهه في المدح والذّم فعليك بمقابلتها
__________________
(١) الإسراء : ٩٤.
(٢) الانشقاق : ٢٠.
(٣) المدثر : ٤٩.
(٤) الانعام : ٩٥.