الجواز بدون الترك ، لا يكاد يتوهم معه صدق القضية الشرطية الثانية ما لا يخفى ، فان الترك بمجرد عدم المنع شرعا لا يوجب صدق إحدى الشرطيتين ، ولا يلزم أحد المحذورين ، فإنه وإن لم يبق له وجوب معه ، إلا أنه كان ذلك بالعصيان ، لكونه متمكنا من الاطاعة والاتيان ، وقد اختار تركه بترك مقدمته بسوء اختياره ، مع حكم العقل بلزوم إتيانها ، إرشادا إلى ما في تركها من العصيان المستتبع للعقاب (١).
______________________________________________________
(١) وحاصل ما شار اليه من اصلاحه : هو ان يراد من الجواز في الشرطية الاولى هو عدم المنع من الترك لا الاباحة الشرعية ويراد من المضاف اليه لفظ حين ـ الذي هو الظرف ـ هو الترك لا عدم المنع ، وبعد هذا الاصلاح يكون لهذا الاستدلال صورة.
فإن المتحصل منه على هذا هو انه لو لم تجب المقدمة لما منع من تركها ، واذا لم يكن المكلف ممنوعا عن تركها فله ان يتركها ، وحين تركها فاما ان يكون الواجب باقيا على وجوبه فيلزم التكليف بما لا يطاق ، وإلّا خرج الواجب عن كونه واجبا.
وبعد اصلاحه فيه ما لا يخفى : لانه حين تركها لا مانع من بقاء الواجب على وجوبه ولا يلزم اما التكليف بما لا يطاق أو خروج الواجب ، لانه حال ترك المقدمة اما ان يكون بعد مجال لاتيانها فلا مانع من بقاء وجوب الواجب لانه يستطيع فعل المقدمة وفعل الواجب بعدها ، واذا لم يبق مجال للواجب بعد ترك المقدمة فإن الواجب يسقط لتحقق عصيانه باختياره لترك مقدمته باختياره.
والحاصل : انه إذا لم تجب المقدمة شرعا فلا يمنع الشارع من تركها ، وليس لازم عدم المنع منه ان لا يبقى الواجب على وجوبه أو التكليف بما لا يطاق ، لأن سبب عدم منعه عن تركها انه ليس فيها مناط الوجوب الشرعي بعد حكم العقل بلزوم اتيانها ، وليس لازم عدم المنع من الشارع عن شيء الا عدم العقاب على الترك ، وهذا اللازم غير باطل ، فإن التارك للمقدمة لا يعاقب على تركها ، وانما يعاقب