قلت : لا يخلو إما أن يكون الامر بغير الاهم ، بعد التجاوز عن الامر به وطلبه حقيقة. وإما أن يكون الامر به إرشادا إلى محبوبيته وبقائه على ما هو عليه من المصلحة والغرض لو لا المزاحمة ، وأن الاتيان به يوجب استحقاق المثوبة فيذهب بها بعض ما استحقه من العقوبة على مخالفة الامر بالاهم ، لا أنه أمر مولوي فعلي كالامر به ، فافهم وتأمل جيدا (١).
______________________________________________________
ومن الواضح وقوعه في العرفيات فانه واقع في الاوامر العرفية ان يقول السيد لعبده : افعل هذا ، فإن عصيت ولم تفعل فافعل هذا ، وقد وقع في الشرع أيضا ومثلوا له بما إذا وجب عليه الخروج من بلده في شهر رمضان لسفر الحج الواجب بحيث يكون اداء الحج موقوفا على السفر في شهر رمضان لحصول الرفقة ـ مثلا ـ في ذلك الشهر دون غيره فلم يمتثل امر الخروج وبقى في بلده ، فانه يتوجه اليه الامر بالصوم ما دام في بلده مع ان الامر بالأهم وهو الخروج إلى سفر الحج متوجه ، فتوجه التكليفين انما هو على نحو الترتب ، فانه مامور بالخروج امرا مطلقا وغير مقيد بشيء ، ومامور بالصوم على تقدير عدم الخروج وعدم امتثاله له فهو امر مقيد بعدم امتثال الامر بالخروج ، واذا ثبت وقوع الامرين على نحو الترتب عرفا وشرعا فهو اعظم دليل على امكانه وصحته.
(١) وتوضيحه : انه في الشرع لم يرد الامران بلسان الترتب ، فانه لم يصلنا على لسان الشارع انه قال اخرج لسفر الحج في رمضان وان لم تمتثل فصم ، وانما هو دعوى ان لازم فتوى المشهور بوجوب الصوم على من لم يخرج هو الأمر على نحو الترتب ، وسيأتي التعرض لجوابه.
واما الاوامر العرفية فالجواب عنها : بان غاية ما جاء في العرف هو ظهور كون الامرين مجتمعين على نحو الترتب ، والظهور العرفي لا يقاوم البرهان العقلي على محالية الاجتماع بنحو كون الامرين متحققين معا ومولويين ، فلا بد من تأويل الاوامر العرفية ، اما بان يكون مراد الآمر بقوله : افعل هذا فإن لم تفعله في وقت كذا