ضرورة أن البعث إنما يكون لاحداث الداعي للمكلف إلى المكلف به ، بأن يتصوره بما يترتب عليه من المثوبة ، وعلى تركه من العقوبة ، ولا يكاد يكون هذا إلا بعد البعث بزمان ، فلا محالة يكون البعث نحو أمر متأخر عنه بالزمان ، ولا يتفاوت طوله وقصره ، فيما هو ملاك الاستحالة والامكان في نظر العقل الحاكم في هذا الباب ، ولعمري ما ذكرناه واضح لا سترة عليه ، والاطناب إنما هو لاجل رفع المغالطة الواقعة في أذهان بعض الطلاب (١).
______________________________________________________
جدا عند المريد ، فلا بد وان يكون اشد «من الشوق المحرك فعلا نحو أمر حالي» فيما كان امرا حاليا لا مانع من تحريك العضلات اليه ، أو كان متعلقه امرا استقباليا ولكن كان له مقدمات تحتاج إلى تهيئة فانه يتحرك نحو مقدماته ، ولذا قال : «أو استقبالي محتاج إلى ذلك» : أي يحتاج إلى مقدمات فيكون الشوق محركا ـ أيضا ـ ولكن إلى المقدمات.
وعلى كل فهذا الشوق الذي هو اقل في الشوقية من الاول لا يعقل ان يكون ارادة لكونه محركا للعضلات ، ولا يكون الشوق الاول ـ مع انه اتم منه في الشوقية ـ ارادة لكونه لا يحرك العضلات ، إذ لا يعقل ان يكون الناقص ارادة ولا يكون التام ارادة ، والكمال في حد الذات الذي هو العلة في تحريك العضلات اولى بان يكون موجبا لصدق الارادة من تحريك العضلات الذي هو معلول ولازم للشوق ، فيكون المقياس في صدق الارادة تحريك العضلات ، ولا يكون المقياس في صدقها تمامية ذات الشوق وكماله ، كما عرفت في ان الشوق الاول المتعلق بما له الاهمية أتم من الشوق الثاني المتعلق بما أهميته اقل منه.
(١) لا يخفى ان المستشكل على الواجب المعلق قال : انه كما لا يمكن الانفكاك بين الارادة التكوينية والمراد التكويني ، كذلك لا يمكن الانفكاك بين الارادة التشريعيّة والمراد التشريعي ، فلا يعقل ان يكون البعث حاليا والمبعوث اليه امرا استقباليا.