ولا يجوز أن يقال : إنّ هذا الصدق كان قبيحا سابقا فيستصحب قبحه ؛ لأنّ الموضوع في حكم العقل بالقبح ليس هذا الصدق ، بل عنوان المضرّ ، والحكم له مقطوع البقاء ، وهذا بخلاف الأحكام الشرعيّة ؛ فإنّه قد يحكم الشارع على الصدق بكونه حراما ، ولا يعلم أنّ المناط الحقيقي (٢٠٧١) فيه باق في زمان الشكّ أو مرتفع ـ إمّا من جهة جهل المناط أو من جهة الجهل ببقائه مع معرفته ـ فيستصحب الحكم الشرعيّ.
فإن قلت (٢٠٧٢) : على القول بكون الأحكام الشرعيّة تابعة للأحكام العقلية ، فما هو مناط الحكم وموضوعه في الحكم العقلي بقبح هذا الصدق فهو المناط والموضوع في حكم الشرع بحرمته ؛ إذ المفروض بقاعدة التطابق ، أنّ موضوع الحرمة ومناطها هو بعينه موضوع القبح ومناطه.
______________________________________________________
جهة العلم بارتفاع بعض ما احتملت مدخليّته فيه.
قلت : مع أنّ مختار المصنّف رحمهالله عدم جريان الاستصحاب مع الشكّ في المقتضي كما سيجيء في محلّه ، إنّك قد عرفت أنّ المدار في بقاء موضوع الأحكام الشرعيّة على الصدق العرفي ، وهو قد يتحقّق مع الشكّ في ارتفاع بعض القيود المعلوم المدخليّة ، أو مع ارتفاع بعض ما هو محتمل المدخليّة ، كما هو واضح.
٢٠٧١. لما عرفت في الحاشية السابقة من عدم الملازمة بين وجود موضوع الحكم الشرعيّ وعلّته التامّة ، بخلاف الأحكام العقليّة.
٢٠٧٢. هذا اعتراض على قوله : «بخلاف الأحكام الشرعيّة ...». وتقرير السؤال : أنّ نتيجة القضيّتين ـ أعني : ما تقرّر من كون أحكام الشرع ناشئة من المصالح والمفاسد الواقعيّة ، ومن التلازم بين حكم العقل والشرع ـ أنّه إذا حصل القطع بحكم الشارع في مورد فلا بدّ أن يكون ذلك ناشئا من حسن أو قبح ، وأنّ العقل إذا فرض اطّلاعه على جهة الحكم التي حكم الشارع من جهتها ، فلا بدّ أن يحكم العقل أيضا على سبيل القطع على طبق حكم الشرع.