وَلَمَّا سَافَرَ أَبُو طَالِبٍ إِلَى الشَّامِ قَالَ يَا عَمِّ إِلَى مَنْ تَكِلُنِي وَلَا أَبٌ لِي وَلَا أُمٌّ فَرَقَّ لَهُ فَقَالَ وَاللهِ لَأُخْرِجَنَّكَ مَعِي وَلَا تُفَارِقُنِي أَبَداً وَلَمَّا وَصَلَ مَعَهُ إِلَى بُصْرَى رَآهُ بَحِيرَاءُ الرَّاهِبُ عَنْ بُعْدٍ وَالْغَمَامَةُ تُظِلُّهُ فَصَنَعَ لِقُرَيْشٍ طَعَاماً وَدَعَاهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ عَادَةٌ بِذَلِكَ فَحَضَرُوهُ وَتَأَخَّرَ صلی الله علیه وسلم لِصِغَرِ سِنِّهِ فَقَالَ هَلْ بَقِيَ مِنْكُمْ أَحَدٌ فَقَالُوا نَعَمْ صَبِيٌّ صَغِيرٌ فَقَالَ أُرِيدُهُ فَلَمَّا أَكَلُوا وَانْصَرَفُوا خَلَا بِهِ وَبِعَمِّهِ وَقَالَ يَا غُلَامُ أَسْأَلُكَ بِاللَّاتِ وَالْعُزَّى لِأَنَّهُ سَمِعَهُمْ يَحْلِفُونَ بِهَا فَقَالَ لَا تَسْأَلْنِي بِهَا فَوَ اللهِ مَا أَبْغَضْتُ شَيْئاً كَبُغْضِي لَهُمَا فَسَأَلَهُ عَنْ أَشْيَاءَ مِنْ حَالِهِ وَيَقْظَتِهِ وَمَنَامِهِ وَأُمُورِهِ فَأَخْبَرَهُ بِمَا وَافَقَ مَا عِنْدَهُ مِنْ صِفَتِهِ ثُمَّ نَظَرَ إِلَى ظَهْرِهِ فَرَأَى خَاتَمَ النُّبُوَّةِ بَيْنَ كَتِفَيْهِ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي يَعْرِفُهَا فَقَالَ لِأَبِي طَالِبٍ مَا هَذَا الْغُلَامُ مِنْكَ قَالَ ابْنِي قَالَ لَيْسَ ابْنَكَ وَمَا يَكُونُ أَبُوهُ حَيّاً قَالَ ابْنُ أَخِي قَالَ وَمَا فَعَلَ أَبُوهُ قَالَ مَاتَ وَأُمُّهُ حُبْلَى بِهِ (١) قَالَ صَدَقْتَ ارْجِعْ بِابْنِ أَخِيكَ وَاحْفَظْهُ مِنَ الْيَهُودِ فَوَ اللهِ لَئِنْ رَأَوْهُ وَعَرَفُوا مِنْهُ مَا عَرَفْتُ مِنْهُ لَيَبْغِيَنَّهُ شَرّاً فَإِنَّهُ صلی الله علیه وسلم كَائِنٌ لَهُ شَأْنٌ وَلَمَّا عَادَ بِهِ عَمُّهُ تَبِعَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ يَبْغُونَ قَتْلَهُ فَرَدَّهُمْ بَحِيرَاءُ وَذَكَرَهُمُ اللهُ وَمَا يَجِدُونَ فِي الْكِتَابِ مِنْ ذِكْرِهِ.
وَقَالَ أَبُو طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فِي ذَلِكَ
شِعْرٌ
إِنَّ ابْنَ آمِنَةَ النَّبِيَّ مُحَمَّداً |
|
عِنْدِي بِمِثْلِ مَنَازِلِ الْأَوْلَادِ |
يَذْكُرُ فِيهَا حَالَ بَحِيرَاءَ وَرَدَّ مَنْ رَدَّهُ مِنْ يَهُودَ عَنِ النَّبِيِّ صلی الله علیه وسلم وَبِشَارَةُ سَيْفِ بْنِ ذِي يَزِنَ (٢) جَدَّهُ عَبْدَ الْمُطَّلِبِ بِهِ وَتَعْرِيفُهُ إِيَّاهُ حَالَهُ حِينَ قَدِمَ عَلَيْهِ يُهَنِّئُهُ بِعَوْدِ الْمُلْكِ إِلَيْهِ وهي معروفة منقولة وهذا باب لو أوغلت فيه أطلت ولم أبلغ مدى
________________
(١) ولا يخفى ان ذلك يخالف ما اختاره (ره) فيما سيأتي عند مدة حياته (صلی الله علیه وسلم) من : نه عاش مع اببه سنتان وأربعة أشهر.
(٢) من ملوك اليمن لما ظفر بالحبشة وذلك بعد مولد النبي (صلی الله علیه وسلم) بسنتين اتاه عبد المطلب وأفداً مع سبعة وعشرين رجلا من قريش للتهنئة فاكرمه الملك واخبره باهنه ـ