وَشَكَا أَصْحَابُهُ الْعَطَشَ وَكَانُوا بِمَعْرَضِ التَّلَفِ فَقَالَ (كَلَّا إِنَّ مَعِي رَبِّي) عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ ثُمَّ دَعَا بِرَكْوَةٍ فَصَبَّ فِيهَا مَاءً مَا كَانَ يَرْوِي إِنْسَاناً وَاحِداً وَجَعَلَ يَدَهُ فِيهَا فَنَبَعَ الْمَاءُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ وَصِيحَ فِي النَّاسِ اشْرَبُوا فَشَرِبُوا وَسَقَوْا حَتَّى نَهِلُوا وَعَلُّوا النهل الشرب الأول وقد نهل بالكسر وأنهلته أنا لأن الإبل تسقى في أول الورد فترد إلى العطن ثم تسقى الثانية وهي العلل فترد إلى المرعى والعطن والمعطن واحد الأعطان والمعاطن وهي مبارك الإبل عند الماء لتشرب عللا بعد نهل وهم ألوف وهو يقول أشهد أني رسول الله حقا. ومنها حَنِينُ الْجِذْعِ إِلَيْهِ حِينَ كَانَ يَخْطُبُ عَلَيْهِ وَفَارَقَهُ حِينَ اتَّخَذُوا لَهُ مِنْبَراً فَلَمَّا صَعِدَهُ حَنَّ الْجِذْعُ حَنِينَ النَّاقَةِ الَّتِي فَقَدَتْ وَلَدَهَا ـ. ومنها حَدِيثُ شَاةِ أُمِّ مَعْبَدٍ لَمَّا هَاجَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ فَطَلَبُوا مَا يَشْرَبُونَ فَلَمْ يَجِدُوهُ وَقَالَتْ إِنَّا مُرْمِلُونَ فَرَأَى شَاةً فَقَالَ مَا هَذِهِ الشَّاةُ يَا أُمَّ مَعْبَدٍ فَقَالَتْ خَلَّفَهَا الْجَهْدُ (١) عَنِ الْغَنَمِ قَالَ هَلْ بِهَا مِنْ لَبَنٍ فَقَالَتْ هِيَ أَجْهَدُ مِنْ ذَلِكَ قَالَ أَتَأْذَنِينَ فِي أَنْ أَحْلُبَهَا قَالَتْ نَعَمْ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي إِنْ رَأَيْتَ بِهَا حَلَباً فَاحْلُبْهَا فَدَعَا بِهَا وَمَسَحَ عَلَى ضَرْعِهَا وَقَالَ اللهُمَّ بَارِكْ لَهَا فِي شَاتِهَا فَتَفَاجَتْ وَدَرَّتْ وَدَعَا بِإِنَاءٍ لَهَا فَسَقَاهَا فَشَرِبَتْ حَتَّى رَوِيَتْ ثُمَّ سَقَى أَصْحَابَهُ فَشَرِبُوا حَتَّى رَوَوْا وَشَرِبَ هُوَ آخِرَهُمْ وَقَالَ سَاقِي الْقَوْمِ آخِرُهُمْ شُرْباً وَشَرِبُوا جَمِيعاً عَلَلاً بَعْدَ نَهْلٍ ثُمَّ حَلَبَ ثَانِياً عَوْداً عَلَى بَدْءٍ فَغَادَرَهُ عِنْدَهَا فَجَاءَ زَوْجُهَا أَبُو مَعْبَدٍ وَمَعَهُ أَعْنُزٌ عِجَافٌ فَرَأَى اللَّبَنَ فَقَالَ مِنْ أَيْنَ لَكُمْ هَذَا وَلَا حَلُوبَةَ لَكُمْ وَالشَّاةُ عَازِبٌ فَقَالَتْ إِنَّهُ مَرَّ بِنَا رَجُلٌ مُبَارَكٌ مِنْ حَدِيثِهِ كَيْتَ وَكَيْتَ وَحَدَّثَتْهُ الحلب بالتحريك اللبن المحلوب ومصدر حلب الناقة يحلبها حلبا والحلوب والحلوبة ما يحلب وجاء بالهاء لأنك تريد الشيء الذي يحلب أي اتخذوه ليحلبوه وليس لتكثير الفعل وتفاجت فرجت ما بين رجليها ووسعته وتقول فعلت ذلك عودا بعد بدء ورجع عودة على بدأة إذا رجع في الطريق الذي جاء منه والعجف بالتحريك الهزال والأعجف المهزول وقد عجف والأنثى عجفاء والجمع عجاف والعازب البعيد وكيت وكيت يقال بالفتح والكسر والتاء فيها هاء في الأصل فصارت تاء في الوصل ونَقَلَ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي
________________
(١) اي الهزال ، قاله الجزرى في النهاية في حديث ام معبد.