كِتَابِهِ رَبِيعِ الْأَبْرَارِ عَنْ هِنْدِ بِنْتِ الْجَوْنِ قَالَتْ نَزَلَ رَسُولُ اللهِ صلی الله علیه وسلم خَيْمَةَ خَالَتِهَا أُمِّ مَعْبَدٍ فَقَامَ مِنْ رَقْدَتِهِ فَدَعَا بِمَاءٍ فَغَسَلَ يَدَيْهِ ثُمَّ تَمَضْمَضَ وَمَجَّ فِي عَوْسَجَةَ (١) إِلَى جَانِبِ الْخَيْمَةِ فَأَصْبَحْنَا وَهِيَ كَأَعْظَمِ دَوْحَةٌ (٢) وَجَاءَتْ بِثَمَرٍ كَأَعْظَمِ مَا يَكُونُ فِي لَوْنِ الْوَرْسِ (٣) وَرَائِحَةِ الْعَنْبَرِ وَطَعْمِ الشَّهْدِ مَا أَكَلَ مِنْهَا جَائِعٌ إِلَّا وَشَبِعَ وَلَا ظَمْآنُ إِلَّا رَوِيَ وَلَا سَقِيمٌ إِلَّا بَرَأَ وَمَا أَكَلَ مِنْ وَرَقِهَا بَعِيرٌ وَلَا شَاةٌ إِلَّا دَرَّ لَبَنُهَا وَكُنَّا نُسَمِّيهَا الْمُبَارَكَةَ وَيَنْتَابُنَا (٤) مِنَ الْبَوَادِي مَنْ يَسْتَشْفِي بِوَرَقِهَا وَيَتَزَوَّدُ مِنْهَا حَتَّى أَصْبَحْنَا ذَاتَ يَوْمٍ وَقَدْ تَسَاقَطَ ثَمَرُهَا وَصَغُرَ وَرَقُهَا فَفَزِعْنَا فَمَا رَاعَنَا إِلَّا نَعْيُ رَسُولِ اللهِ صلی الله علیه وسلم ثُمَّ إِنَّهَا بَعْدَ ثَلَاثِينَ سَنَةً أَصْبَحَتْ ذَاتَ شَوْكٍ مِنْ أَسْفَلِهَا إِلَى أَعْلَاهَا وَتَسَاقَطَ ثَمَرُهَا فَذَهَبَ فَمَا شَعَرْنَا إِلَّا بِمَقْتَلِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ صلی الله علیه وسلم فَمَا أَثْمَرَتْ بَعْدَ ذَلِكَ وَكُنَّا نَنْتَفِعُ بِوَرَقِهَا ثُمَّ أَصْبَحْنَا وَإِذَا بِهَا قَدْ نَبَعَ مِنْ سَاقِهَا دَمٌ عَبِيطٌ وَقَدْ ذَبُلَ وَرَقُهَا (٥) فَبَيْنَا نَحْنُ فَزِعُونَ مَهْمُومُونَ إِذْ أَتَانَا مَقْتَلُ الْحُسَيْنِ علیهما السلام وَيَبِسَتِ الشَّجَرَةُ عَلَى أَثَرِ ذَلِكَ وَذَهَبَتْ والعجب كيف لم يشهر أمر هذه الشجرة كما اشتهر أمر الشاة في قصة هي من أعلام القصص آخر كلامه.
ومنها حَدِيثُ سُرَاقَةَ حِينَ أَدْرَكَهُ عِنْدَ تَوَجُّهِهِ مُهَاجِراً إِلَى الْمَدِينَةِ لِيَتَقَرَّبَ إِلَى قُرَيْشٍ بِأَخْذِهِ وَقَتْلِهِ فَلَمَّا ظَنَّ أَنَّهُ نَالَ غَرَضَهُ دَعَا عَلَيْهِ فَسَاخَتْ قَوَائِمُ فَرَسِهِ فِي الْأَرْضِ حَتَّى تَغَيَّبَتْ بِأَجْمَعِهَا وَهُوَ بِمَوْضِعِ جَدْبٍ وَقَاعٍ صَفْصَفٍ فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ ادْعُ رَبَّكَ يُطْلِقْ قَوَائِمَ فَرَسِي وَلَكَ ذِمَّةُ اللهِ عَلَيَّ أَنْ لَا أَدُلَّ عَلَيْكَ أَحَداً فَدَعَا لَهُ فَوَثَبَ كَأَنَّمَا أَفْلَتَ مِنْ أُنْشُوطَةٍ وَكَانَ رَجُلاً ذَا هَيْئَةٍ عَلِمَ أَنَّهُ سَيَكُونُ لَهُ شَأْنٌ فَطَلَبَ مِنْهُ أَمَاناً وَقَالَ لِأَبِي بَكْرٍ أَجِبِ الَّذِينَ
________________
(١) مج الشيء من فمه : رمى به وعوسجة واحدة الموسج : جنس الشجرات من فصيلة الباذنجانيات ، اغصانه شائكة وازهره مختلفة الالوان.
(٢) الدوحة : الشجرة العطيمة المتسعة.
(٣) الورس : نبات حبه كالسسم اصغر يضبع به وتتخذ منه الغمرة اي الرغفان
(٤) إنتابهم انتيابا : أنا هم مرة بعد اخرى. واتتاب زيد عبرواً : قصده اليه.
(٥) جم عبيط : خالص طرى. وذبل النبات : قل ماؤه وذهبت تضاوته.