اللهِ حِينَ صَالَحَ سُهَيْلَ بْنَ عَمْرٍو وَقَدْ تَقَدَّمَتْ قِصَّتُهُ.
قَالُوا فَإِنَّا نَقَمْنَا عَلَيْكَ أَنَّكَ قُلْتَ لِلْحَكَمَيْنِ انْظُرَا كِتَابَ اللهِ فَإِنْ كُنْتَ أَفْضَلَ مِنْ مُعَاوِيَةَ فَأَثْبِتَانِي فِي الْخِلَافَةِ فَإِذَا كُنْتَ شَاكّاً فِي نَفْسِكَ فَنَحْنُ فِيكَ أَشَدُّ وَأَعْظَمُ شَكّاً فَقَالَ علیهما السلام فَإِنَّمَا أَرَدْتُ بِذَلِكَ النَّصَفَةَ فَإِنِّي لَوْ قُلْتُ احْكُمَا لِي وَذَرَا مُعَاوِيَةَ لَمْ يَرْضَ وَلَمْ يَقْبَلْ وَلَوْ قَالَ النَّبِيُّ صلی الله علیه وسلم لِنَصَارَى نَجْرَانَ لَمَّا قَدِمُوا عَلَيْهِ تَعَالَوْا حَتَّى نَبْتَهِلَ وَأَجْعَلَ لَعْنَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ لَمْ يَرْضَوْا وَلَكِنْ أَنْصَفَهُمْ مِنْ نَفْسِهِ كَمَا أَمَرَهُ اللهُ تَعَالَى فَقَالَ (فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللهِ عَلَى الْكاذِبِينَ) فَأَنْصَفَهُمْ مِنْ نَفْسِهِ فَكَذَلِكَ فَعَلْتُ أَنَا وَلَمْ أَعْلَمْ بِمَا أَرَادَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ مِنْ خَدْعِهِ أَبَا مُوسَى.
قَالُوا فَإِنَّا نَقَمْنَا عَلَيْكَ أَنَّكَ حَكَّمْتَ حَكَماً فِي حَقٍّ هُوَ لَكَ فَقَالَ إِنَّ رَسُولَ اللهِ حَكَّمَ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ وَلَوْ شَاءَ لَمْ يَفْعَلْ وَأَنَا اقْتَدَيْتُ بِهِ فَهَلْ بَقِيَ عِنْدَكُمْ شَيْءٌ فَسَكَتُوا وَصَاحَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ التَّوْبَةَ التَّوْبَةَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَاسْتَأْمَنَ إِلَيْهِ ثَمَانِيَةُ آلَافٍ وَبَقِيَ عَلَى حَرْبِهِ أَرْبَعَةُ آلَافٍ فَأَمَرَ علیهما السلام الْمُسْتَأْمِنِينَ بِالاعْتِزَالِ عَنْهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَتَقَدَّمَ بِأَصْحَابِهِ حَتَّى دَنَا مِنْهُمْ وَتَقَدَّمَ عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ وَذُو الثَّدْيَةِ حُرْقُوصٌ وَقَالا مَا نُرِيدُ بِقِتَالِنَا إِيَّاكَ إِلَّا وَجْهَ اللهِ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَقَالَ عَلِيٌّ علیهما السلام (هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالاً الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً).
ثُمَّ الْتَحَمَ الْقِتَالُ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ وَاسْتَعَرَّتِ الْحَرْبُ بِلَظَاهَا وَأَسْفَرَتْ عَنْ زُرْقَةِ صُبْحِهَا وَحُمْرَةِ ضُحَاهَا فَتَجَادَلُوا وَتَجَالَدُوا بِأَلْسِنَةِ رِمَاحِهَا وَحِدَادِ ظُبَاهَا فَحَمَلَ فَارِسٌ مِنَ الْخَوَارِجِ يُقَالُ لَهُ الْأَخْنَسُ الطَّائِيُّ وَكَانَ شَهِدَ صِفِّينَ مَعَ عَلِيٍّ علیهما السلام فَحَمَلَ وَشَقَّ الصُّفُوفَ يَطْلُبُ عَلِيّاً علیهما السلام فَبَدَرَهُ عَلِيٌّ بِضَرْبَةٍ فَقَتَلَهُ فَحَمَلَ ذُو الثَّدْيَةُ لِيَضْرِبَ عَلِيّاً فَسَبَقَهُ عَلِيٌّ علیهما السلام وَضَرَبَهُ فَفَلَقَ الْبَيْضَةَ وَرَأْسَهُ فَحَمَلَهُ فَرَسُهُ وَهُوَ لِمَا بِهِ فَأَلْقَاهُ فِي آخِرِ الْمَعْرَكَةِ فِي جُرُفٍ دَالِيَةٍ عَلَى (١) شَطِّ النَّهْرَوَانِ.
________________
(١) الجرف ـ بضمتين ـ : الجانب الذي أكله الماء من حاشية النهر كل ساعة يسقط بعض منه.