وَخَرَجَ مِنْ بَعْدِهِ ابْنُ عَمِّهِ مَالِكُ بْنُ الْوَضَّاحِ وَحَمَلَ عَلَى عَلِيٍّ فَضَرَبَهُ عَلِيٌّ فَقَتَلَهُ وَتَقَدَّمَ عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ الرَّاسِبِيُّ فَصَاحَ يَا ابْنَ أَبِي طَالِبٍ وَاللهِ لَا نَبْرَحُ مِنْ هَذِهِ الْمَعْرَكَةِ أَوْ تَأْتِيَ عَلَى أَنْفُسِنَا أَوْ نَأْتِيَ عَلَى نَفْسِكَ فَابْرُزْ إِلَيَّ وَأَبْرُزُ إِلَيْكَ وَذَرِ النَّاسَ جَانِباً فَلَمَّا سَمِعَ عَلِيٌّ علیهما السلام كَلَامَهُ تَبَسَّمَ وَقَالَ قَاتَلَهُ اللهُ مِنْ رَجُلٍ مَا أَقَلَّ حَيَاؤُهُ أَمَا إِنَّهُ لَيَعْلَمُ أَنِّي حَلِيفُ السَّيْفِ وَخَدِينُ الرُّمْحِ (١) وَلَكِنَّهُ قَدْ يَئِسَ مِنَ الْحَيَاةِ وَإِنَّهُ لَيَطْمَعُ طَمَعاً كَاذِباً ثُمَّ حَمَلَ عَلَى عَلِيٍّ علیهما السلام فَضَرَبَهُ عَلِيٌّ وَقَتَلَهُ وَأَلْحَقَهُ بِأَصْحَابِهِ الْقَتْلَى وَاخْتَلَطُوا فَلَمْ يَكُنْ إِلَّا سَاعَةٌ حَتَّى قُتِلُوا بِأَجْمَعِهِمْ وَكَانُوا أَرْبَعَةَ آلَافٍ.
فَمَا أَفْلَتَ مِنْهُمْ إِلَّا تِسْعَةُ أَنْفُسٍ رَجُلَانِ هَرَبا إِلَى خُرَاسَانَ إِلَى أَرْضِ سِجِسْتَانَ وَبِهَا نَسْلُهُمَا وَرَجُلَانِ صَارَا إِلَى بِلَادِ عُمَانَ وَبِهَا نَسْلُهُمَا وَرَجُلَانِ صَارَا إِلَى الْيَمَنِ وَبِهَا نَسْلُهُمَا وَهُمُ الْإِبَاضَيَّةُ وَرَجُلَانِ صَارَا إِلَى بِلَادِ الْجَزِيرَةِ إِلَى مَوْضِعٍ يُعْرَفُ بِالسِّنِّ وَالْبَوَازِيجِ وَإِلَى شَاطِئِ الْفُرَاتِ وَصَارَ آخَرُ إِلَى تَلِّ مَوْزَنَ.
وَغَنِمَ أَصْحَابُ عَلِيٍّ علیهما السلام غَنَائِمَ كَثِيرَةً وَقُتِلَ مِنْ أَصْحَابِ عَلِيٍّ علیهما السلام تِسْعَةٌ بِعَدَدِ مَنْ سَلِمَ مِنَ الْخَوَارِجِ وَهِيَ مِنْ جُمْلَةِ كَرَامَاتِ عَلِيٍّ علیهما السلام فَإِنَّهُ قَالَ نَقْتُلُهُمْ وَلَا يُقْتَلُ مِنَّا عَشَرَةٌ وَلَا يَسْلَمُ مِنْهُمْ عَشْرَةٌ فَلَمَّا قُتِلُوا قَالَ عَلِيٌّ علیهما السلام الْتَمِسُوا الْمُخْدَجَ (٢) فَالْتَمَسُوهُ فَلَمْ يَجِدُوهُ فَقَامَ عَلِيٌّ علیهما السلام بِنَفْسِهِ حَتَّى أَتَى نَاساً قَدْ قُتِلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ فَقَالَ أَخِّرُوهُمْ فَوَجَدُوهُ مِمَّا يَلِي الْأَرْضَ فَكَبَّرَ عَلِيٌّ علیهما السلام وَقَالَ صَدَقَ اللهُ وَبَلَّغَ رَسُولُهُ قَالَ أَبُو الرَّضِيِّ فَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ حَبَشِيٌّ عَلَيْهِ قُرَيْطَقُ (٣) أَحَدِ ثَدْيَيْهِ مِثْلُ ثَدْيِ الْمَرْأَةِ عَلَيْهَا شَعَرَاتٌ مِثْلُ شَعَرَاتِ ذَنَبِ الْيَرْبُوعِ.
وهذا أبو الرضي هو عباد بن نسيب القيسي تابعي يروي عنه هذا القول أبو داود في سننه كما قال.
فهذا تلخيص مواقفه علیهما السلام في منازلة الطوائف المتبعة تضليل أهوائها ومقاتلة
________________
(١) الخدين : الصاحب. الرفيق. الصديق.
(٢) المخدج : الناقص الخلقة وهو لقب حرقوص بن زهير وكان ناقص اليد وقد مر أيضا في مواضع شتّى من الكتاب.
(٣) قريطق ـ تصغير قرطق ـ : قباء ذو طاق واحد.