مِنْ ذَلِكَ إِلَّا قِلَّةُ ذَاتِ الْيَدِ وَإِنَّهُ لَيَقَعُ فِي نَفْسِي أَنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ وَرَسُولَهُ صلی الله علیه وسلم إِنَّمَا يَحْبِسَانِهَا عَلَيْهِ.
قَالَ ثُمَّ أَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَعَلَى سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ فَقَالَ هَلْ لَكُمَا فِي الْقِيَامِ إِلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ علیهما السلام حَتَّى نَذْكُرَ لَهُ هَذَا فَإِنْ مَنَعَهُ قِلَّةُ ذَاتِ الْيَدِ وَاسَيْنَاهُ وَأَسْعَفْنَاهُ فَقَالَ لَهُ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ وَفَّقَكَ اللهُ يَا أَبَا بَكْرٍ فَمَا زِلْتُ مُوَفَّقاً قُومُوا بِنَا عَلَى بَرَكَةِ اللهِ وَبِمَنِّهِ.
قَالَ سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ فَخَرَجُوا مِنَ الْمَسْجِدِ وَالْتَمَسُوا عَلِيّاً فِي مَنْزِلِهِ فَلَمْ يَجِدُوهُ وَكَانَ يَنْضِحُ بِبَعِيرٍ كَانَ لَهُ الْمَاءُ عَلَى نَخْلِ رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ بِأُجْرَةٍ فَانْطَلَقُوا نَحْوَهُ فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهِمْ عَلِيٌّ علیهما السلام قَالَ مَا وَرَاءَكُمْ وَمَا الَّذِي جِئْتُمْ لَهُ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ يَا أَبَا الْحَسَنِ إِنَّهُ لَمْ يَبْقَ خَصْلَةٌ مِنْ خِصَالِ الْخَيْرِ إِلَّا وَلَكَ فِيهَا سَابِقَةٌ وَفَضْلٌ وَأَنْتَ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلی الله علیه وسلم بِالْمَكَانِ الَّذِي قَدْ عَرَفْتَ مِنَ الْقَرَابَةِ وَالصُّحْبَةِ وَالسَّابِقَةِ وَقَدْ خَطَبَ الْأَشْرَافُ مِنْ قُرَيْشٍ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلی الله علیه وسلم ابْنَتَهُ ـ فَاطِمَةَ علیهما السلام فَرَدَّهُمْ وَقَالَ إِنَّ أَمْرَهَا إِلَى رَبِّهَا إِنْ شَاءَ أَنْ يُزَوِّجَهَا زَوَّجَهَا فَمَا يَمْنَعُكَ أَنْ تَذْكُرَهَا لِرَسُولِ اللهِ صلی الله علیه وسلم وَتَخْطُبَهَا مِنْهُ فَإِنِّي لَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ وَرَسُولُهُ صلی الله علیه وسلم إِنَّمَا يَحْبِسَانِهَا عَلَيْكَ.
قَالَ فَتَغَرْغَرَتْ عَيْنَا عَلِيٍّ علیهما السلام بِالدُّمُوعِ وَقَالَ يَا أَبَا بَكْرٍ لَقَدْ هَيَّجْتَ مِنِّي سَاكِناً وَأَيْقَظْتَنِي لِأَمْرٍ كُنْتُ عَنْهُ غَافِلاً وَاللهِ إِنَّ فَاطِمَةَ لَمَوْضِعُ رَغْبَةٍ وَمَا مِثْلِي قَعَدَ عَنْ مِثْلِهَا غَيْرُ أَنَّهُ يَمْنَعُنِي مِنْ ذَلِكَ قِلَّةُ ذَاتِ الْيَدِ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ لَا تَقُلْ هَذَا يَا أَبَا الْحَسَنِ فَإِنَّ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا عِنْدَ اللهِ تَعَالَى وَعِنْدَ رَسُولِهِ صلی الله علیه وسلم كَهَبَاءٍ مَنْثُورٍ.
قَالَ ثُمَّ إِنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ علیهما السلام حَلَّ عَنْ نَاضِحِهِ (٢) وَأَقْبَلَ يَقُودُهُ إِلَى مَنْزِلِهِ فَشَدَّهُ فِيهِ وَلَبِسَ نَعْلَهُ وَأَقْبَلَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلی الله علیه وسلم فَكَانَ رَسُولُ اللهِ صلی الله علیه وسلم فِي مَنْزِلِ زَوْجَتِهِ أُمِّ سَلَمَةَ ابْنَةِ أَبِي أُمَيَّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ الْمَخْزُومِيِّ فَدَقَّ عَلِيٌّ علیهما السلام الْبَابَ فَقَالَتْ
________________
(١) تغرغرت عينه بالدمع : تردد فيها الدمع وأصله من تغرغر فلان بالماء والدواء إذا رددهما في حلقه فلا يمجهما ولا يسيغهما.
(٢) الناضح : البعير يستقى عليه.