مَرَّاتٍ وَتَصَدَّقَ بِهِ حَتَّى إِنَّهُ كَانَ لَيُعْطِي نَعْلاً وَيُمْسِكُ نَعْلاً وسيأتي تمام ذلك في الفصل الثامن المعقود لذكر كرمه وصلاته إن شاء الله تعالى.
وأما العبادة المركبة. نَقَلَ الْحَافِظُ الْمَذْكُورُ فِي حِلْيَتِهِ بِسَنَدِهِ أَنَّهُ علیهما السلام قَالَ إِنِّي لَأَسْتَحْيِي مِنْ رَبِّي أَنْ أَلْقَاهُ وَلَمْ أَمْشِ إِلَى بَيْتِهِ فَمَشَى عِشْرِينَ مَرَّةً مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى مَكَّةَ عَلَى رِجْلَيْهِ.
وَرَوَى صَاحِبُ كِتَابِ صِفَةِ الصَّفْوَةِ بِسَنَدِهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ قَالَ حَجَّ الْحَسَنُ علیهما السلام خَمْسَ عَشْرَةَ حِجَّةً مَاشِياً وَإِنَّ الْجَنَائِبَ لَتُقَادُ مَعَهُ.
فأي زهد أعظم من هذا آخر كلامه قال أفقر عباد الله تعالى علي بن عيسى فضائل الحسن وفواضله ومكارمه ونوافله وعبادته وزهادته وسيرته التي جرت بها عادته وسريرته التي عرفت بها قاعدته من الأمور التي اشتهرت وظهرت وكم رام الأعداء سترها فما استترت وهل يخفى النهار لذي عينين ومن الذي يبلغ شأو الحسن والحسين (١) وكيف لا وقد خصا بالولدين والسيدين والريحانتين فمناقبهما صلی الله علیه وسلم تملى وقلم القدر يكتب بالتصديق ويسجل لمواليهما بحسن الاهتداء ومعاونة التوفيق.
ومن كلامه الدال على عبادته ونزاهته الشاهد بقوة تمكنه وعلو مكانته قوله في بعض مواعظه. يَا ابْنَ آدَمَ عِفَّ عَنْ مَحَارِمِ اللهِ تَكُنْ عَابِداً وَارْضَ بِمَا قَسَمَ اللهُ سُبْحَانَهُ تَكُنْ غَنِيّاً وَأَحْسِنْ جِوَارَ مَنْ جَاوَرَكَ تَكُنْ مُسْلِماً وَصَاحِبِ النَّاسَ بِمِثْلِ مَا تُحِبُّ أَنْ يُصَاحِبُوكَ بِمِثْلِهِ تَكُنْ عَدْلاً إِنَّهُ كَانَ بَيْنَ أَيْدِيكُمْ أَقْوَامٌ يَجْمَعُونَ كَثِيراً وَيَبْنُونَ مَشِيداً وَيَأْمَلُونَ بَعِيداً أَصْبَحَ جَمْعُهُمْ بُوراً (٢) وَعَمَلُهُمْ غُرُوراً وَمَسَاكِنُهُمْ قُبُوراً يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ لَمْ تَزَلْ فِي هَدْمِ عُمُرِكَ مُنْذُ سَقَطْتَ مِنْ بَطْنِ أُمِّكَ فَخُذْ مِمَّا فِي يَدَيْكَ لِمَا بَيْنَ يَدَيْكَ فَإِنَّ الْمُؤْمِنَ يَتَزَوَّدُ
________________
(١) الشأو : الغاية والأمد.
(٢) قوما بورا أي هالكين ، من بار بمعنى هلك.