غرور (١) وإمساكها محذور من اغتر بها يجور فإنه يجود ببذلها ولا ترغب نفسه في وصلها وقد كان الحسن علیهما السلام عارفا بختلها (٢) عازفا عن الركون إلى أهلها (٣) وَكَانَ كَثِيراً مَا يَتَمَثَّلُ وَيَقُولُ :
يَا أَهْلَ لَذَّاتِ دُنْيَا لَا بَقَاءَ لَهَا |
|
إِنَّ اغْتِرَاراً بِظِلِّ زَائِلٍ حُمْقٌ |
وَرَوَى ابْنُ عَائِشَةَ قَالَ دَخَلَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ الْمَدِينَةَ فَرَأَى رَجُلاً رَاكِباً بَغْلَةً حَسَنَةً قَالَ لَمْ أَرَ أَحْسَنَ مِنْهُ فَمَالَ قَلْبِي إِلَيْهِ فَسَأَلْتُ عَنْهُ فَقِيلَ لِي إِنَّهُ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ علیهما السلام فَامْتَلَأَ قَلْبِي غَيْظاً وَحَنَقاً وَحَسَداً أَنْ يَكُونَ لِعَلِيٍّ علیهما السلام وَلَدٌ مِثْلُهُ فَقُمْتُ إِلَيْهِ فَقُلْتُ أَنْتَ ابْنُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ أَنَا ابْنُهُ فَقُلْتُ أَنْتَ ابْنُ مَنْ وَمَنْ وَمَنْ وَجَعَلْتُ أَشْتِمُهُ وَأَنَالُ مِنْهُ وَمِنْ أَبِيهِ وَهُوَ سَاكِتٌ حَتَّى اسْتَحْيَيْتُ مِنْهُ فَلَمَّا انْقَضَى كَلَامِي ضَحِكَ وَقَالَ أَحْسَبُكَ غَرِيباً شَامِيّاً فَقُلْتُ أَجَلْ فَقَالَ فَمِلْ مَعِي إِنِ احْتَجْتَ إِلَى مَنْزِلٍ أَنْزَلْنَاكَ وَإِلَى مَالٍ أَرْفَدْنَاكَ وَإِلَى حَاجَةٍ عَاوَنَّاكَ فَاسْتَحْيَيْتُ مِنْهُ وَعَجِبْتُ مِنْ كَرَمِ أَخْلَاقِهِ فَانْصَرَفْتُ وَقَدْ صِرْتُ أُحِبُّهُ مَا لَا أُحِبُّ أَحَداً غَيْرَهُ.
تنبيه من غفلة وإيقاظ من غفوة
منار مبرات الأجواد وآثار مقامات الأمجاد يتفاوت مقدارها بين العباد بحسب أقطار أقدارها في الاعتقاد وقد جاد الحسن علیهما السلام بما لم تجد بمثله نفس جواد وتكرم بما يبخل به كل ذي كرم وإرفاد فإنه لا رتبة أعظم من الخلافة ولا أعلى من مقامها ولا حكم لملك في الملة الإسلامية إلا وهو مستفاد من أحكامها ولا ذو إيالة ولا ولاية إلا وهو منقاد ببره زمامها واقف
________________
(١) الغرور ـ بالفتح ـ ما غرك وخدعك وصفة غالبة للدنيا ، والغرور ـ بالضم ـ ما اغتر به من متاع الدنيا.
(٢) الختل : الخدعة.
(٣) عزف نفسه عن الشيء : زهدت فيه وملته.
(٤) أرفده : أعطاه