في قضايا تصرفاتها بين نقضها وإبرامها فهي المنصب الأعلى والمنتصب لها صاحب الدنيا فالأمر والنهي متصل بأسبابه والجاه والمال محصل من أبوابه والنباهة والشهرة يستفاد من اقترابه والتقدم والتأخر يرتاد من إرضائه وإغضابه وهو خليفة رسول الله صلی الله علیه وسلم في أمته لإقامة أحكامه وآدابه.
وكان الحسن علیهما السلام قد تقلد بعقد انعقادها واستبد بعقد إيجادها وارتدى بمفوف أبرادها (١) وبايعته ألوف لا تفر يوم جلادها وتابعته سيوف لا تقر في أغمادها وشايعته من قبائل القبائل نفوس آسادها واشتملت جريدة جيشه على أربعين ألفا كل يعد قتله بين يدي الحسن علیهما السلام شهادة ويعتقد قيامه بطاعته عبادة ويرى كونه من أنصاره وشيعته إقبالا وسعادة.
فبينما هو في إقبال أيامها يأمر وينهى وقد أحاط بحال مقامها حقيقة وكنها كشف له التأييد الرباني حالة لم يدركها سواه ولم يستبنها فجاد بالخلافة على معاوية فسلمها إليه وخرج عنها وتكرم بها وحرمها نفسه الشريفة فانسلخ منها.
فلا جرم باعتبار هذه الحال وما أسداه علیهما السلام من الجود والنوال وما أبداه من التكرم والإفضال اعترف له معاوية على رءوس الأشهاد في غضون المقال فقال له يا أبا محمد لقد جدت بشيء لا تجود به أنفس الرجال ولقد صدق معاوية فيما ذكره عقلا ونقلا وعظم ما أسداه إليه الحسن علیهما السلام جودا وبذلا فإن النفوس تتنافس في زينة الدنيا ومتاعها قولا وفعلا وتحرص على إحرازها واقتطاعها حرما وحلا فيركب إلى اكتساب محاب حطامها حزنا وسهلا ويستعذب في إدراك مناها منها أسرا وقتلا.
وفي الجملة :
فهي معشوقة على الغدر لا |
|
تحفظ عهدا ولا تتمم وصلا |
كل دمع يسيل منها عليها |
|
وبفك اليدين عنها تخلى |
________________
(١) برد مفوف : رقيق.