فمن أخرجها على حبها عنه جدير أن يعد جواد الأمجاد وأن يسجل له بإحراز الفلج إذا تفاخرت أمجاد الأجواد.
أقول إن الشيخ كمال الدين رحمهالله وقف على أنجد هذا الأمر ولم يقف على أغواره (١) وخاض في ضحاضحه ولم يلحج في أغمر غماره (٢) وعد تسليم الحسن علیهما السلام الخلافة إلى معاوية من كرمه وجوده وإيثاره ولو أنعم النظر (٣) علم أنه لم يسلمها إلى معاوية باختياره وإنه لو وجد أعوانا وأنصارا لقاتله بأعوانه وأنصاره ولكنه آنس من أصحابه فشلا وتخاذلا جروا منه في ميدان الخلاف ومضماره وشحوا بأنفسهم عن مساعدته فرغبوا عن قربه وسخت أنفسهم بمفارقة جواره وأحبوا بعد داره في الدنيا فبعدت في الأخرى دارهم من داره وفر عنه من فر فتوجه عليه العقاب لفراره وحليت الدنيا في أعينهم فلم يردعهم بالغ مواعظه وإنذاره ومالوا إلى معاوية رغبة في زخرف دنياه وطمعا في درهمه وديناره فسلم إليه الأمر حذرا على نفسه وشيعته فما رد القدر بحذاره وطلب حقن الدماء وإسكان الدهماء (٤) فأقره في قراره.
وكيف يجود الحسن علیهما السلام على معاوية بشيء يصطلي الإسلام وأهله بناره أم كيف يرضى تأهيله لأمر قلبه معتقد لإنكاره أم كيف يظن أنه قارب بعض المقاربة وهو يسمع سب أبيه في ليله ونهاره أم كيف ينسب معاوية إلى الصدق وهو مستمر على غلوائه (٥) مقيم على إصراره أم كيف يتوهم فيه الإيمان وهو وأبوه من المؤلفة قلوبهم فانظر في أخباره وهذه جمل تستند إلى تفصيل وقضايا واضحة الدليل
________________
(١) الانجد جمع النجد : ما ارتفع من الأرض واشرف. والاغوار جمع الغور :الكهف.
(٢) الضحضاح : الماء القريب القعر ، ولحج في الامر : دخل فيه ونشب.
(٣) أنعم في الامر : بالغ ـ كأمعن ـ
(٤) الدهماء : الفتنة السوداء المظلمة.
(٥) من غلواء الشباب وهو أوله وشرته.