مَا تُحِبُّ أَنْ يُصَاحِبُوكَ بِهِ تَكُنْ عَدْلاً إِنَّهُ كَانَ بَيْنَ أَيْدِيكُمْ أَقْوَامٌ يَجْمَعُونَ كَثِيراً وَيَبْنُونَ مَشِيداً وَيَأْمَلُونَ بَعِيداً أَصْبَحَ جَمْعُهُمْ بُوراً وَعَمَلُهُمْ غُرُوراً وَمَسَاكِنُهُمْ قُبُوراً يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ لَمْ تَزَلْ فِي هَمِّ عُمُرِكَ مُنْذُ سَقَطْتَ مِنْ بَطْنِ أُمِّكَ فَخُذْ مِمَّا فِي يَدَيْكَ لِمَا بَيْنَ يَدَيْكَ فَإِنَّ الْمُؤْمِنَ يَتَزَوَّدُ وَالْكَافِرَ يَتَمَتَّعُ وَكَانَ علیهما السلام يَتْلُو بَعْدَ هَذِهِ الْمَوْعِظَةِ (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى).
وَمِنْ كَلَامِهِ علیهما السلام أَنَّ هَذَا الْقُرْآنَ فِيهِ مَصَابِيحُ النُّورِ وَشِفَاءُ الصُّدُورِ فَلْيَجْلُ جَالٍ بِضَوْئِهِ وَلْيُلْجِمِ الصِّفَةَ قَلْبَهُ فَإِنَّ التَّفْكِيرَ حَيَاةُ الْقَلْبِ الْبَصِيرِ كَمَا يَمْشِي الْمُسْتَنِيرُ فِي الظُّلُمَاتِ بِالنُّورِ.
وَاعْتَلَّ عَلِيٌّ بِالْبَصْرَةِ فَخَرَجَ الْحَسَنُ علیهما السلام يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَصَلَّى الْغَدَاةَ بِالنَّاسِ وَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَصَلَّى عَلَى نَبِيِّهِ وَقَالَ إِنَّ اللهَ لَمْ يَبْعَثْ نَبِيّاً إِلَّا اخْتَارَهُ نَفْساً وَرَهْطاً وَبَيْتاً وَالَّذِي بَعَثَ مُحَمَّداً بِالْحَقِّ لَا يَنْقُصُ أَحَدٌ مِنْ حَقِّنَا إِلَّا نَقَصَهُ اللهُ مِنْ عَمَلِهِ وَلَا تَكُونُ عَلَيْنَا دَوْلَةٌ إِلَّا كَانَتْ لَنَا عَاقِبَةٌ (وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ).
وَلَمَّا خَرَجَ حَوْثَرَةُ الْأَسَدِيُّ عَلَى مُعَاوِيَةَ وَجَّهَ مُعَاوِيَةَ إِلَى الْحَسَنِ يَسْأَلُهُ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْمُتَوَلِّي لِقِتَالِهِ فَقَالَ وَاللهِ لَقَدْ كَفَفْتُ عَنْكَ لِحَقْنِ دِمَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَمَا أَحْسُبُ ذَلِكَ يَسَعُنِي أَنْ أُقَاتِلَ عَنْكَ قَوْماً أَنْتَ وَاللهِ أَوْلَى بِقِتَالِي مِنْهُمْ.
وَلَمَّا قَدِمَ مُعَاوِيَةُ الْمَدِينَةَ صَعِدَ الْمِنْبَرَ فَخَطَبَ وَنَالَ مِنْ عَلِيٍّ علیهما السلام فَقَامَ الْحَسَنُ علیهما السلام فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ إِنَّ اللهَ لَمْ يَبْعَثْ نَبِيّاً إِلَّا جَعَلَ لَهُ عَدُوّاً مِنَ الْمُجْرِمِينَ قَالَ اللهُ (وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ) (١) فَأَنَا ابْنُ عَلِيٍّ وَأَنْتَ ابْنُ صَخْرٍ وَأُمُّكَ هِنْدٌ وَأُمِّي فَاطِمَةُ وَجَدَّتُكَ قُتَيْلَةُ وَجَدَّتِي خَدِيجَةُ فَلَعَنَ اللهُ أَلْأَمَنَا حَسَباً وَأَخْمَلَنَا ذِكْراً وَأَعْظَمَنَا كُفْراً وَأَشَدَّنَا نِفَاقاً فَصَاحَ أَهْلُ الْمَسْجِدِ آمِينَ آمِينَ فَقَطَعَ مُعَاوِيَةُ خُطْبَتَهُ وَدَخَلَ مَنْزِلَهُ.
وهذا الكلام ذكرته آنفا وإنما أعدته هنا لأن اختلاف الرواة يؤنس بما يتفقون على روايته.
وَدَخَلَ علیهما السلام عَلَى مُعَاوِيَةَ وَهُوَ مُضْطَجِعٌ فَقَعَدَ عِنْدَ رِجْلَيْهِ فَقَالَ أَلَا أُطْرِفُكَ بَلَغَنِي
________________
(١) الفرقان : ٣١.