بممالك الشام والعراق والحجاز ، إن رئيس هذه الطائفة الباغية الضالة الشقية أبو طاهر سليمان بن أبى سعيد جنابى ، بنى بيتا للضلال فى ناحية هجر (١) فى سنة ٣١٣ ه أو على رأى آخر فى سنة ٣٠١ ه.
وسمى هذا البيت «دار الهجرة» وأراد أن يصيب سوق كعبة الله بالكساد بتحويل طريق الحجاج إلى ناحية هجر ، وابتدر للاستيلاء على مكة المكرمة بمن تجمع حوله من الأشقياء الخبثاء ، ودخلوا حرم الله دار الأمن على حين غفلة فى يوم الأحد الذى يوافق يوم التروية فى سنة ٣١٧ ه وقتل ثلاثين ألفا (٢) من أهل مكة ، ومسلمى البلاد الأخرى الذين كانوا فى أرض المطاف والمسجد الحرام داخله وخارجه ، وخاصة فى داخل كعبة الله المعظمة ، وبعد ما ألقى بأجسامهم فى داخل بئر زمزم وآبار مكة المكرمة الأخرى ، ثم خاطب الناس بصوت عال : يا أيها الذين يعتقدون أن من كان فى داخل الحرم آمنا ، انظروا لهذا الأمن والأمان ، وماذا فعلت بكم؟ وأخذ ينهق مثل الحمار ويهذى بلسان الاستهزاء الملعون.
وفى أثناء ذلك أمسك أحد الموجودين الشجعان بزمام دابة أبى طاهر غير الطاهر وقال له : يا ظالم الله ليس معنى الآية الجليلة اللطيف (وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً) (آل عمران : ٩٧) كما تفهمه ، وسكت أبو طاهر غير الطاهر عن الكلمة القذرة ، ووجه مطيته نحو باب المعلى لكعبة الله ولم يستطع أن ينال ذلك البطل بضرر. ومع ذلك ازدادت جرأته درجة فدرجة فانتزع بيده ـ شلت يده ـ ألواح كعبة الله المزينة ، ونهب ستارة بيت الله وما فى خزانة البيت من الهدايا الثمينة ، ووزعها على جنوده الضالين وأمر أحد القرامطة أن يصعد فوق سطح الكعبة لينزل الميزاب الذهبى ، ولما رأى أنه قد أسقط على الأرض بسهم أطلق من جبل أبى قبيس أمر بصعود قرمطى آخر.
واللعين الذى صعد فوق سطح الكعبة فى المرة الثانية وقع رأسا على عقب وهلك ، وحينئذ عرف اللعين أنه لن يستطيع أن يقتلع الميزاب الذهبى ، وأخذ
__________________
(١) الاسم الآخر للهجر البحرين.
(٢) قتل ألف وسبعمائة منهم محرمين يطوفون بالكعبة.