فإنهم لا يستطيعون القتال ، فإذا ما خرج جنودكم فى الصحارى تاركين راحتهم يموتون مثل السمك الذى خرج من الماء.
والعساكر الكثيرة الذين سقتهم علينا مثل النمل قد أصابهم التعب والضعف منذ خروجهم من بغداد ، وانهزامهم فى أول حرب أكبر دليل يؤيد رأيى ، إذا ما أرسلتم جنودا أشجع ممن أرسلتم وأكثر مما سأجهزه أنا من العساكر فإننى أهرب من أمامهم بعد أن أتعبهم ، كما أننى أتصدى لهم فى مضيق ضيق فأقطع خط رجوعهم ، وأهزمهم وأولى بكم ألا تشغلوا أنفسكم بى ، ولا تهلكوا جنودكم عبثا ، وقد حقنت دمك حتى توصل هذه الأقوال بالتفصيل إلى الخليفة ، دون أن تنقص منها كلمة ثم أطلق سراحه وخلّى سبيله.
وقد عاد عباس بن عمرو الغنوى إلى بغداد وهو فى شدة الحيرة من نجاته من يد أبى سعيد. ولما أبلغ عباس ما قاله أبو سعيد إلى المقتدر بالله بالتفصيل خاف الخليفة ، واضطرب ولم يستطع أن يذكر اسم القرامطة بلسانه مدة طويلة.
ومع هذا استطاع أن ينقذ أهالى الكوفة من اعتناق مذهب القرامطة ، إذ ظهرت جماعة من القرامطة وأخذوا فى إضلال الناس فى الكوفة ، وبعث الخليفة بجنود من مركز الخلافة وقوة عسكرية قضت على هذه الجماعة.
وانتقل أبو سعيد فى سنة ٣٠١ ه إلى دار البوار (١) بعد أن ارتكب كثيرا من الجرائم إلى تلك السنة تاركا ميدان الخباثة والشقاء إلى ابنه الكبير سعيد.
وتولى ابنه سعيد مكانه بعد وفاته ، إلا أنه ما كان يشبه أباه فى إلحاق الأذى بالناس ، فتولى تدبير الأمور ابنه الأصغر سليمان أبو طاهر ، وكان ظلوما غشوما سفاحا ، فاستولى على الإحساء والقطيف وسائر بلاد البحرين ونواحى هجر ، وبعد أعوام عشرة أغار ليلا على مدينة البصرة ، وأثناء مقامه فيها سبعة عشر يوما قتل كل من صادفه ، وأعمل السلب والنهب فى الناس جميعا ، وكان ذلك عام ٣١١ ه ، وبعد عام من تلك الواقعة المؤلمة أغار على قافلة الحجاج ونهبها.
__________________
(١) يقول الذين يروون كيفية هلاك هذا الرجل : كان أبو سعيد قد دخل الحمام فى خلال السنة المذكورة فضربه أحد خدمه الذى عانى من سوء معاملته على رأسه بفأس وقتله. إن هذا الخادم بعد أن قتل هذا الخبيث قتل أربعة من رؤساء القرامطة ولما شاع هذا الخبر قتل هذا الخادم.