فعل ما فى ضميره من الفساد وأرسل إلى قومه واجب اللوم من منافقى بنى غنم رسالة ذات أسلوب لعين تتضمن نفاقه الذى اعتاده يقول فيها : «إننى سأعود إلى المدينة مستصحبا معى عساكر من قيصر الروم ، فاستعدوا أنتم أيضا بتجهيز الأسلحة اللازمة وانتظروا قدومى ، وابذلوا جهدكم لبناء مسجد رصين الجدار أمام مسجد قباء وفى حى أصحاب النفاق».
وحينما أخذ منافقو بنى غنم الذين سبقت أسماؤهم أعلاه رسالة أبى عامر فأسرعوا ببناء مبنى فى قرية قباء قبيل غزوة تبوك وذهبوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وطلبوا منه أن يشرف هذا المكان ويباركه بأداء ركعتين صلاة فيه ، فقالوا : «يا رسول الله! بنينا فى قريتنا مسجدا ليصلى فيه العجزة وأصحاب العلل والأعذار فى ليالى الشتاء الممطرة وكل رجائنا أن تشرفوه بأداء ركعتين صلاة فيه فأجابهم النبى صلى الله عليه وسلم : «الآن قد خرجنا من المدينة بنية الغزو فإذا ما يسرت لنا العودة نفعل إن شاء الله» فعاد المنافقون وقد تلقوا الرد الصائب.
وعندما عاد النبى صلى الله عليه وسلم من تبوك وقرر أن يستريح قليلا فى مكان يسمى ذى أوان على بعد ساعة فى ناحية تبوك من المدينة المنورة. فجاء منافقو بنى غنم مرة أخرى متذللين متمسكنين وطلبوا من النبى صلى الله عليه وسلم أن يشرف مسجدهم مسجد ضرار إلا أن الله ـ سبحانه وتعالى ـ قد حسم الموضوع إذ أنزل الآية الكريمة :
(وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصاداً لِمَنْ حارَبَ اللهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنا إِلَّا الْحُسْنى وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (١٠٧) لا تَقُمْ فِيهِ أَبَداً لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ) (التوبة : ١٠٧ ـ ١٠٨).
وهكذا فضحت الآية الكريمة أفكار بنى غنم وكشفتهم ، وبعث النبى صلى الله عليه وسلم مالك بن الدخشم وسعد بن عدى وأخاه عامر أو عاصم بن عدى لهدم وتخريب مسجد ضرار فى قرية قباء فذهب هؤلاء إلى قباء حيث هدموا وخربوا مسجد