وإن كان الله ـ سبحانه وتعالى ـ الحكيم يعمل على تصديق فكرنا الصائب إلا أن بعض المسلمين السذج الذين بذر فى قلوبهم بذور الفساد لم يستطيعوا أن يخرجوا من مستنقع آرائهم العتيقة ، فما أغرب أن يعتقد فيما قاله أطباء أوربا غير مشهورين إن أراضى الحرمين تنبت العلل المعدية ، ثم يتردد فى تصديق ما قاله أطباء أوربا الحذاق «من : أن منشأ مرض الطاعون هو الهند وهذا ثابت قطعيا» وتردد أطباء الإسلام فى تصديق ما قاله الأوربيون : إن الحرمين منبت العلل المعدية أى أن منشأ الطاعون البلاد الحجازية المقدسة ، وأخذوا يتحرون عن جهات ظهور تلك العلة وأسبابها ويفحصون ، وعندما أثبت «جاقود» أحد أساتذة مدرسة الطب الفرنسية وأحد مشاهير أطباء أوربا المتسم بالحذاقة والمتحلى بالرزانة الفكرية والفصاحة العلمية والمصدق لدى الجميع ، إذ استنبط من المؤلفات التى كتبها علماء المدرسة المتمدنة فيم كتب عن الأمراض الباطنية أن مرض الطاعون «الكوليرا» المخيف يظهر فى أراضى الهند ويعرف الأسباب التى توجب ظهوره وذلك بالأدلة ، وقد صدق أطباء الإسلام بلا تردد ما جاء فى ذلك الكتاب وقرروا أن منشأ ظهور مرض الطاعون الهند.
ولما نال أثر «جاقود» هذا ورأيه الرزين إعجاب الجميع قد رأينا من الواجب ترجمة هذه الرأى آملين بأنه سيكون سببا فى تصحيح أفكار الشباب المسلمين وعقائدهم :
أسباب تولد الطاعون وظهوره
يقول جاقود : إن السم القاتل المتسبب فى تولد الطاعون يتولد فى الأراضى الهندية ثم يندس فى البدن ويتغلغل فيه ليظهر المرض المخيف وإن كان السم القاتل فى أول ظهوره يشبه الأمراض البلدية فى قوته إلا أنه ينتقل من إنسان لآخر وهذا دليل قاطع على أنه من الأمراض المعدية ، ولم يعرف إلى الآن سبب ظهور هذا السم فى مواطنه.
والحال أنه إذا ما حلل تراب المكان الذى يجرى فيه حكمه كأنه مرض محلى