معدن العلم وموضعه ، وما كان عند غيري فغير معدود من العلم ، وقوله : « وعلي بابها » يريد : إن باب هذه المدينة رفيع من حيث أن شريعة النبي صلّى الله عليه وسلّم أثبت الشرائع وأقومها وأهداها ، لا يدخل عليها النسخ ولا التحريف ولا التبديل ، بل هي محفوظة بحفظ الله عز وجل ، مصونة من النقص لا ينسخها شيء ، فلهذا نسبها إلى العلو ، وكتابه آخر الكتب التي أنزلها الله عز وجل فلا يدخل عليه النسخ قال الله تعالى : ( وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ ) أي : إن القرآن يحكم على سائر الكتب المنزلة قبله ، وما ورد فيه من الحرام والحلال لا يتغير ولا ينسخ ولا يبطل ، فكان القرآن أجل الكتب التي أنزلها الله تعالى ، وشريعة الرسول صلّى الله عليه وسلّم أجل الشرائع وأعلاها وأبهاها وأسناها وأسماها ، حيث لا يدخل عليها النسخ ولا التبديل ، فهي عالية سامية عال بابها.
قلت ـ والله أعلم ـ إن وجه الحديث عندي أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال : « أنا مدينة العلم وعلي بابها » أراد صلّى الله عليه وسلّم أن الله تعالى علّمني العلم وأمرني بدعاء الخلق إلى الإقرار بوحدانيّته في أول النبوة ، حتى مضى شطر زمان الرسالة على ذلك ، ثم أمرني الله بمحاربة من أبى الإقرار لله عزّ وجلّ بالوحدانية بعد منعه من ذلك « فأنا مدينة العلم » في الأوامر والنواهي ، وفي السلم والحرب حتى جاهدت المشركين « وعلي بن أبي طالب بابها » أي هو أن من يقاتل أهل البغي بعدي من أهل بيتي وسائر أمتي ، ولو لا أن عليا بين [ سن ] للناس قتال أهل البغي وشرع الحكم في قتلهم واطلاق الأسارى منهم وتحريم سلب أموالهم وذراريهم لما عرف ذلك ، فالنبي صلّى الله عليه وسلّم سنّ في قتال المشركين نهب أموالهم وسبي ذراريهم ، وسنّ علي في قتال أهل البغي أن لا يجهز على جريح ، ولا يقتل الأسير ، ولا تسبى النساء والذرية ، ولا تؤخذ أموالهم. وهذا وجه حسن صحيح.
ومع هذا ، فقد قال العلماء من الصحابة والتابعين وأهل بيته بتفصيل علي ، وزيادة علمه وغزارته وحدة فهمه ووفور حكمته وحسن قضاياه وصحة فتواه ، وقد كان أبوبكر وعمر وعثمان وغيرهم من علماء الصحابة يشاورونه في الأحكام ،