كلمة المؤلف
لقد خلق الله العالم بالعلم ، وجعل العلم السبب الكليّ لخلقه فقال : ( اللهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللهَ قَدْ أَحاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً ).
و « العلم » أول منة امتن الله بها على الإنسان بعد خلقه ، فقال في أول ما أنزل على نبيّه صلىاللهعليهوآلهوسلم : ( اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ ) فكأنه يقول للإنسان :
كنت في أول حالك حيث كنت علقة في أخس المراتب وأدناها ، فتكرّمت عليك ، وأبلغتك إلى أشرف المراتب وأعلاها وهو « العلم » قال الزمخشري بتفسير الآية :
« كأنه ليس وراء التكرّم بإفادة الفوائد العلمية تكرّم حيث قال : الأكرم الذي علّم بالقلم علّم الإنسان ما لم يعلم. فدلّ على كمال كرمه بأن علّم عباده ما لم يعلموا ، ونقلهم من ظلمة الجهل إلى نور العلم. ونبّه على فضل علم الكتابة لما فيه من المنافع العظيمة التي لا يحيط بها إلاّ هو ، وما دوّنت العلوم ولا قيّدت الحكم ولا ضبطت أخبار الأولين ومقالاتهم ولا كتب الله المنزلة إلاّ بالكتابة ،